فقد أمّنّاه حتى تغدو به عليّ في الغداة. ورجع به صباحا فقال له النبيّ (ص) : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله؟ فقال : بأبي أنت وأمّي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك! والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد. فقال (ص) : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال : بأبي أنت وأمي أمّا هذه فإن في النفس منها شيئا. عندها قال له العباس : ويحك ، اشهد بشهادة الحق قبل أن أضرب عنقك. فقال (ص) للعباس : انصرف به فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمرّ عليه جنود الله. فأخذه وحبسه هناك فمرّت عليه القبائل واحدة واحدة وهو يسأل عنها والعباس يجيبه حتى مرّ رسول الله (ص) في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلّا الحدق. فقال : من هؤلاء يا أبا الفضل : قال : هذا رسول الله (ص) في المهاجرين والأنصار. فقال لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقال العباس : ويحك إنها النبوّة. ثم جاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فأسلما وبايعا رسول الله (ص) فبعثهما بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام وقال (ص) : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم فهو آمن ، ومن أغلق بابه وكفّ يده فهو آمن. ولما خرج أبو سفيان ومن معه إلى مكة بعث في إثرهم الزبير بن العوّام وأمرّه على الخيل وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال له : لا تبرح حتى نأتيك. ثم دخل رسول الله (ص) مكة وضربت هناك خيمته وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته وبعث خالد بن الوليد في من كان أسلم من قضاعة وبني سليم وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت. وأمرهم رسول الله (ص) أن يكفّوا أيديهم ولا يقاتلوا إلّا من قاتلهم ، كما أنه أمرهم بقتل أربعة هم : عبد الله بن سعد ابن أبي سرح ، والحويرث بن نفيل ، وابن خطل ، ومقبس بن ضبابة ، وبقتل قينتين كانتا تغنّيان بهجائه (ص) وقال : اقتلوهم ولو وجدتموهم