عمّا هم فيه من الكفر والشّرك بالله حتى جاءهم محمد (ص) فبيّن لهم ضلالهم عن الحق ودعاهم إلى الإيمان فقامت عليهم الحجة وأصبحوا غير معذورين في عدم الإذعان ، فالبيّنة التي جاءتهم هي (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) فرسول من الله بدل من (الْبَيِّنَةُ) التي قبله ، والعبارة بيان لها وتفسير أي ان البيّنة كانت الرسول من الله الذي (يَتْلُوا) يقرأ عليهم (صحفه المطهرة) المنزلة من السماء التي لا يمسّها إلّا الملائكة المطهّرون. وهذه الصّحف (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ذات قيمة ، مستقيمة عادلة ليس فيها عوج ، لأنها تظهر الحق من الباطل ، وهي تعني القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فالقرآن ـ بما فيه ـ يحتوي على معاني الكتب السماوية المتقدّمة له ، ومن تلاه كأنه تلا جميع الكتب السماوية ، وقيل : بل لأن في القرآن تبيان كلّ شيء لأنه يحتوي كثيرا من العلوم إلى جانب ما فيه من التاريخ والوعظ والإرشاد ، وإلى جانب كونه دستورا حافلا بأحكام المعاش والمعاد (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي ولم يختلف هؤلاء اليهود والنصارى في محمد صلىاللهعليهوآله إلّا بعد مجيء البشارة به في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فصارت الحجة قائمة عليهم. وقيل معناها : أنّ أهل الكتاب ظلّوا مجتمعين على تصديق البشارة بمحمد (ص) حتى بعثه الله تعالى ، وعندئذ تفرّقوا واختلفوا في أمره فآمن بعض وكفر آخرون (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) أي لم يأمرهم ربّهم ولا أمرهم رسلهم إلّا بتوحيد الله وعبادته ، فإن ذلك ممّا لا تختلف فيه الأديان ، وأن يكونوا (حُنَفاءَ) مائلين عن جميع العقائد إلى عقيدة الإسلام ، مؤمنين بالرّسل وبما جاؤوا به وبما بشّروهم به ، فأمروا بذلك (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) فيداومون على إقامة الصلاة ويدفعون زكاة أموالهم لمستحقّيها (وَذلِكَ) الدين الذي تقدّم ذكره وفرض هذه الأشياء هو (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيّمة الرفيعة