فرعون أربعمائة سنة وهو يقول أنا ربّكم الأعلى ويجحد رسلك ويكذّب بآياتك. فأوصى الله تعالى إليه : إنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت ان أكافيه. وأما إمهاله هذا فقد قال عنه أبو جعفر عليهالسلام ـ كما عن أبي بصير ـ : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قال جبرائيل عليهالسلام : قلت : يا ربّ تدع فرعون وقد قال أنا ربّكم الأعلى؟ فقال : إنما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت ـ أي أن فرعون لعنه الله في ملك الله وتحت سلطانه وهو لا يعجزه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في فعل فرعون وتكذيبه ومعصيته وأخذنا له وتنكيلنا به (لَعِبْرَةً) أي عظة (لِمَنْ يَخْشى) لمن يخاف الله تعالى ويخاف عقابه ، وهي دليل واضح يميّز فيه الحق من الباطل ، فينبغي للعاقل أن يتّعظ ويستفيد فيأخذ من دنياه لآخرته.
* * *
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣))
٢٧ ـ ٣٣ ـ (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ...) بعد ذكر قصة فرعون وما فعل به سبحانه ، وبقومه من الغرق فضلا عمّا أعدّه لهم من عذاب الآخرة ، خاطب من كان من المكابرين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله محذّرا لهم ومهدّدا وقال : هل أنتم أيّها المشركون أشد : أقوى خلقا من السماء التي (بَناها) بهذه العظمة وهذه السعة التي لا تحدّ؟ إنه لا يكبر عليه سبحانه خلق شيء مهما عظم فقد خلق السماء هكذا و (رَفَعَ سَمْكَها) أي سقفها وما ارتفع منها (فَسَوَّاها) جعلها مستوية بلا فطور ولا شقوق فأحكم بناءها (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) جعله مظلما (وَأَخْرَجَ ضُحاها) أي أظهر نهارها ، وقد أضاف النهار والليل إلى السماء لأن النور