الظالمون (أَتَواصَوْا بِهِ) أي هل وصّى بعضهم بعضا بهذا القول؟ وهذا استفهام بمعنى النّفي (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) يعني لا ، لم يتواهوا به ولكنهم أهل بغي وطغيان (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي انصرف عنهم وأدر ظهرك لهم (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) يعني فلا تلام على إعراضك عنهم بعد بذل الجهد في تذكيرهم وتخويفهم (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أي ثابر على الوعظ والإرشاد فإن ذلك ينفع المصدّقّين بنا وبك ، وهؤلاء هم الذين يهمّنا أمرهم.
* * *
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))
٥٦ ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ...) أي ما خلقتهم إلّا من أجل طاعتي وعبادتي ومن أجل أن أختبر المصدّقين بي وأميّزهم عن المكذّبين. ويستفاد من الشريفة أن الطائفتين كليهما على حدّ سواء في الأمر بالعبادة. وأما وجه تقديم الجنّ على الإنس في المقام فيمكن أن يكون لأنّ الجنّ خلق كثير وهم بعيدون عن القابلية للعبادة لأنهم ليسوا بدرجة رقيّ الإنس ولا بدرجة حضارتهم ، فقدّمهم تشويقا لهم بالعبادة ، أي لأنهم كثيرون جدّا فاهتمّ سبحانه بالكثرة ، أو أنه قدّمهم في الذّكر بسبب تقدّمهم في خلقهم على البشر على ما يشار إليه في وجه خلق الإنسان في دار الدّنيا بعد أن كان الجنّ ساكنين فيها فظهر أن تقديمهم في الآيات والروايات للإشارة إلى تقدّم خلقتهم على الإنسان وأن خلق الإنسان متأخر بكثير عن خلقهم. وهذا وجه وجيه ذكرناه في علّة تقدّم الجن على الإنس في الآيات وهذا ما خطر ببالنا القاصر.