وبعبارة أخرى يستفاد من هذه الآيات أن الأشياء بعناوينها الأوليّة لها توالد وتناسل من ذكر وأنثى لبقاء نسلهما ، غاية الأمر نحن لا ندركهما لغاية صغرهما ولطافة جثّتهما بحيث لا نراهما أحيانا أكبر بآلاف المرات ممّا هو عليه في الحقيقة. إلّا بالمناظر القويّة التي توصل الشيء الضعيف ونحن لا نرى مواضع تقاربهما وتناسلهما. والحاصل أنّنا لا نعلم بشيء من أمور المخلوقين وهو اللّطيف الخبير العالم بجميع أمور المخلوقات من الذّكر والأنثى ومن الصّغير والكبير والذي يطير والذي لا يطير والذي يبيض والذي لا يبيض وهو على كلّ شيء قدير وعالم بما خلق. وفي الكافي عن الرّضا عليهالسلام في خطبة له يناسب ذكرها في المقام كما ذكرها بعض الأعاظم وبمضادّته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له. ضادّ النور بالظّلمة واليبس بالبلل ، والخشن باللّين ، والصّرد بالحرّ ، مؤلفا بين تعادياتها ، مفرّقا بين متدانياتها ، دالّة بتفريقها على مفرّقها ، وبتأليفها على مؤلّفها. وذلك قوله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، ففرّق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، الحديث (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي اهربوا إليه بطاعتكم له خوفا من عقابه ، وفرّوا الى الإيمان والتوحيد وملازمة الطاعة. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام مثله. (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي مخوّف لكم من العقاب موضح لما جئتكم به من البيان والإنذار (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) لا تشركوا معه معبودا ولا تدعوا له شريكا (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تكرير هذا القول للاهتمام بأمره ، والتكرار ملازم لعظمة المكرّر به.
٥٢ إلى ٥٥ ـ (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي كمثل قومك هؤلاء ، فإنه لم يجيء لمن قبلهم (مِنْ رَسُولٍ) ينذرهم ويبشّرهم ويدعوهم للإيمان (إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) إلا وصفوه بهذا الوصف. وفي الآية الكريمة تسلية له صلىاللهعليهوآله عما يقول