كانت لأول غزوة في الإسلام بدر ، وما كانت معنا إلّا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف تكون العاديات الخيل؟ بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى. فرغب عن قوله ورجع إلى ما قاله عليّ عليهالسلام (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) هي الخيل التي توري النار بحوافرها إذا سارت في الأرض المحصبة. وقيل شاذّا : هي النيران بجمع ـ منى ـ (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) أي الخيل التي تغير على العدو بفرسانها وقت الصّبح. وقد ذكر هذا الوقت لأن من عادة الإغارة أن يأتي المغيرون ليلا ثم يفاجئون الأعداء صبحا (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) أي حرّكن الغبار الذي هو النّقع ، وهيّجنه فثار وطار في النواحي وانعقد وراءها كالغيوم (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أي توسّطن جمع العدوّ بعدوهنّ وقد قيل : نزلت هذه السورة الشريفة لمّا بعث النبيّ صلىاللهعليهوآله عليّا ، إلى ذات السلاسل فأوقع بهم. وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجعوا كلّهم دون فتح ـ وقد سمّيت ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشدّ أسراهم بالحبال مكتّفين كأنهم في السلاسل. (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم ، أي : وحقّ ما ذكرنا إن الإنسان لكافر بربّه ، فالكنود هو الكفر ، وكنود كفور جاحد (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي أن الله سبحانه يشهد ويرى كفر ذلك الإنسان. وقيل إن الهاء تعود إلى الإنسان ، وأنه يكون يوم القيامة شاهدا على نفسه بما جنت يداه وبكنوده في دار الدنيا (وَإِنَّهُ) أي الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) يعني أنه شديد الحب للمال ، فعن ابن زيد أن الله تعالى سمّى المال «خيرا» وعسى أن يكون خبيثا وحراما ، ولكن الناس يعدّونه خيرا. ثم قال تبارك وتعالى مذكّرا ومتوعّدا : (أَفَلا يَعْلَمُ) أفلا يعرف هذا الإنسان الذي تكلّمنا عنه (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي إذا بعث الموتى وأخرجوا من القبور ونشروا للحساب. والبعثرة هي تفريق الشيء في كلّ اتّجاه وبغير نظام (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي أظهر ما أخفته