شقاء من العاصين ، فإن للعاصين درجات في عصيانهم ، والشقاوة أعظم تلك الدرجات إذ منها الكفر والشّرك ، والأشقى هو (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) أي يلزم أكبر ميزان جهنّم ويكون من وقودها وحطبها ويتلظّى بلظاها. وقيل إن النار الكبرى هي الطبقة السفلى من جهنّم كما عن الفرّاء (ثُمَّ لا يَمُوتُ) هذا الأشقى في نار جهنّم (وَلا يَحْيى) ولا يعيش ، وهذا يعني أنه لا يموت فيرتاح ، ولا يعيش حياة يهنأ بها ، بل يذوق أنواع العذاب ، والعياذ بالله من ذلك.
* * *
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))
١٤ ـ آخر السورة ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ...) يعني فاز ونجح من طهر نفسه من الشّرك بتوحيد الله سبحانه وتعالى وقال : لا إله إلّا الله. وقيل : تزكّى : أعطى زكاة ماله. وقيل أراد صدقة الفطرة وصلاة العيد كما عن أبي عبد الله عليهالسلام وكثيرين غيره. أمّا ذكر الله فقيل هو ذكره بقلبه عنه الصلاة ، ورجاء الثواب ، وخوف العقاب ، وقيل إن الصلاة هنا منها التكبير وقول : الله أكبر ، والحقيقة أنه قصد الصلاة بما فيها من خشوع وخشية ورجاء ، وقصد الصلوات الخمس المكتوبة ، ولذلك خاطب الكافرين الذين لم يؤمنوا ولا اعترفوا بها ولا أدّوها وشغلتهم ملاذّ الدنيا عنها فقال لهم : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي تختارونها على الآخرة وتفضّلونها عليها ، وتشتغلون بها وتعمرونها ولا تتفكّرون بأمر الآخرة. وقيل إن الخطاب للعاصين والطائعين ، على السواء ليوبّخ العاصين وينبّه الطائعين ولذا قال مطمعا إياهم : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى)