ليرسم ما يدور في فكره على القرطاس ممّا ينتفع به هو أو غيره. قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة ، لولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش ، وقيل إنه أراد هنا آدم عليهالسلام لأنه أول من كتب بالقلم كما عن كعب ، ولكن الضحاك قال : أول من كتب بالقلم إدريس. وقيل أراد كلّ نبيّ كتب بالقلم ، فالله (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فقهّه وفهمّه أنواع الهدايات ، وأبان له أمور الدين والأحكام والشرائع ، فصار كل ما يتعلّمه الإنسان آتيا من جهته تعالى لأنه هو الهادي والدليل وهو العالم بذاته المعلّم لغيره.
* * *
(كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))
٦ ـ آخر السورة ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ...) كلّا : معناها هنا : حقّا إن الإنسان ليطغى : ليتجاوز حدّه في ظلم نفسه حين يستكبر على خالقه ولا يعترف بوجوده لمجرّد (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أي لأنه رأى نفسه غنيّا بقومه أو بماله أو بقوّته ، فقد تعدّى طوره وظنّ أنه بغنى عن ربّه لمّا رأى أولاده كثيرين وأمواله وافرة وأموره ميسّرة فحسب أنه إنما يحصل له ذلك بحسن تدبيره. وقيل إن هذه الآية وما يليها إلى آخر السورة المباركة قد نزلت في أبي جهل لعنه الله ، وقد تهدّده سبحانه قائلا :