لكن ممّا لا شك فيه أنّ كلتا المجوعتين خاطئتان ، ونوضح ما ندعيه بصورة مركزة فنقول :
بالنسبة للحسيين يمكن حصر أهم إشكالاتهم في النقاط التالية.
١ ـ إنّ كلّ إنسان عند مشاهدته للموجودات الخارجية يواجه مجموعة من الحوادث والقضايا الجزئية لا يمكن الاستفادة منها للاستدلال ، لأنّ كل استدلال يجب أن يستند إلى قضية كلية.
ومن هنا تبدأ مسؤولية العقل ، حيث يقوم بصياغة قضايا كلية من هذه الجزئيات ، فمثلاً نلاحظ أن قطعة الحجر تكسر الزجاج العادي في ظروف مختلفة ، فهذه الحوادث الجزئية الحاصلة بالحس تنتقل إلى العقل ، فيصوغ العقل قاعده كلية تجاه هذه المسألة ، وكذلك الأمر بالنسبة للتجربة في الظروف والازمنة والأمكنة المختلفة التي تكشف عن أن الضوء ينتشر بصورة خط مستقيم ، فالعقل يصوغ قاعدة كليّة من هذه الحوادث الجزئية لا وجود لها في الخارج والموجود في الخارج هو مصاديقها لا ذاتها.
وعليه فالإدراكات الحسية كالمواد الخام التي قد «تتحلل» وقد تتركب في مختبر العقل ، ومن خلال هاتين العمليتين نحصل على المفاهيم الكلية التي يستفاد منها في المنطق والاستدلال.
٢ ـ ممّا لا شك فيه أنّه ينبغي الاستفادة من العقل لإصلاح الأخطاء الناشئة من خطأ الحواس ، فعندما نقول :
فإذا اخطأ البصر في رؤية الأشجار المتوازية متقاطعة من بعيد فإنّ المعيار في تشخيص وإدراك الخطأ هذا هو العقل.
صحيح أن تمييزنا لهذا الخطأ يستند إلى الحس أيضاً حيث إننا ندرك خطأ بصرنا من بعيد لأنا طوينا الشارع من اوله إلى آخره عدة مرّات وشاهدنا الأشجار في طول الشارع متوازية ولم تلتقِ في مكانٍ ، لكن هذا الاستدلال الذي يستند إلى الحس يقوى عندما يقول لنا العقل إنّ اجتماع النقيضين محال ، ويقول بامتناع أن تكون الأشجار متوازية ثم تلتقي في