فتارة يقولون : إنَّ العقل يحد من تصرفات الإنسان ويسلبه حرّيته ، حيث يجعل أمامه موانع تحول بينه وبين ما يريد أن يقوم به من عمل حراماً كان أو حلالاً حسناً أو قبيحاً خيراً أو شرّاً ، فلو لم تكن لنا عقول لكنّا أحراراً.
وتارة يقولون : إنّه يسلب راحة الإنسان حيث نرى العقلاء والأذكياء من الناس لا راحة لهم ، إلّاأنّ البسطاء من الناس فرحون وسعداء دائماً لانعدام تأثير العقل عليهم.
وإذا قرأنا أشعاراً مفادها ذمُّ العقل أو الانتقاص منه أو الاستهانة به فمن الواضح كونها مزاحاً أو سفسطة أو كناية عن مفاهيم اخرى ويستبعد أن يكون مرادهم ذم العقل ، بل إنّهم يقصدون أنّ هناك اموراً مؤلمة تحيطهم ، والناس في غفلة عنها.
أو أنّ قصدهم من الجنون المذكور في بعض الأشعار كصفة للعقل ، هو الجنون العرفاني والمراد منه العشق الإلهي ، والتضحية بكل شيء في سبيله.
وعلى أيّة حال ، صحيح أنّ العقل يقيد حرية الإنسان وبعض تصرفاته ،
إلّا أنّ هذا فخر له ، لأنّه يرشدهُ نحو التكامل ، إنَّ هذا الادّعاء يُشْبِهُ ادعاء من قال : «إنّ الاحاطة بعلم الطب يحد من انتخاب الإنسان لأنواع الأطعمة ومن امور اخرى» ، وهل هذا نقص؟! أم أنّه ينقذ الإنسان من الاصابة بالامراض وفي بعض الأحيان من التسمم القاتل.
أمّا القول بأن العقل يزيد من هموم الإنسان وأحزانه ، فهذا يرفع من منزلة الإنسان ، العاقل من يتحسّس آلام المضطهدين والمظلومين ويتألم من سلوك المعاندين وبالتالي فهو دليلٌ على الكمال ، وكما جاء في المثل : (إمّا أن يكون ضعيفاً ونحيفاً كسقراط في زهده أو سميناً وبديناً كالخنزير).
نعم ، إذا غفلنا عن مسألة التكامل الإنساني واعتبرنا الأصل في الحياة هو اللذّة المادية ، فان ما يتفوه به بعض المؤيدين لأصالة اللذة المادية صحيح ، لكن هذا الحديث مضحك ولا قيمة له من وجهة نظر الإنسان الموحّد الذي يؤمن بالرسالة والهدف وتكامل الإنسان.
إضافة إلى هذا ، فإنّ المؤيدين لأصالة اللذة مضطرون لأنّ يسلموا ويخضعوا لكثير من القوانين الاجتماعية الحادة من حرياتهم وتصرفاتهم ، وأن يفرضوا على أنفسهم العناء من