ولا يمكن انكار ما تواتر في التاريخ عن جُند المغول وجيش هتلر والحوادث المفجعة في «الاندلس» ، والمئات من هذه الحوادث ، والذي يصلح للنفي والإثبات والإشكال هو جزئيات التاريخ ، وهي بدورها إذا ثبتت باخبار الثقات أصبحت صالحة للاعتماد عليها. بالطبع فإنّ الأخبار الضعيفة في هذا المجال ليست قليلة.
وهذا حكم عادل بحق التاريخ ، فينبغي عدم الأخذ بكل ما جاء في التاريخ ، كما لاينبغي نبذ كل ما ورد فيه.
وقد سَلِمَ قسمان من التواريخ من أي تحريف وتلويث وهما :
التواريخ التي ظلّت في صورة آثار تكوينية في الخارج ، فلا يمكن تحريفها ببساطة ، وقد أكد القرآن المجيد على هذا القسم كثيراً ، وآيات «السير في الأرض» بهدف التعرف على تاريخ الامم السالفة ناظرة إلى هذا القسم منه.
والأكثر من ذلك التواريخ التي وصلتنا عن طريق «الوحي» مثل تواريخ القرآن التي تعتبر أصيلة وخالصة من جميع الرغبات والنزعات ، فكما أن الله عزوجل أفضل مقنّن فهو أفضل مؤرخ كذلك ، لأنّه خبير بجميع الجزئيات ومنزه عن الإتّجاهات الفردية والجماعية ، ومع توفر هذين الشرطين فهو أفضل مؤرخ روى لنا التاريخ.
وقد يتعجب البعض ويسأل : لماذا يعيد الله تعالى قصة نوح أو موسى أو فرعون أو مواجهة الأنبياء للمستكبرين والجبابرة عدّة مرّات؟
لقد غفلوا عن أن كل حكاية ناظرة إلى الحادث من زاوية واحدة فقد يكون لكل حدث تاريخي زوايا وجوانب متعددة ، فقد ينظر ـ مثلاً ـ إلى تاريخ بني اسرائيل من حيث مواجهتهم لطاغوت زمانهم ، وقد ينظر لتاريخهم من حيث عنادهم لأنبيائهم ، وقد ينظر لتاريخهم من حيث عواقب الاختلاف والتشتت وعدم الاتحاد ، أو من حيث آثار ونتائج نكران النِعَم ، والخلاصة : إنّ كثيراً من الحوادث التاريخية كالمرآة ذات الأبعاد المختلفة ، يسلط كلُّ بعد من ابعادها الأضواء على جانب من الجوانب (وسيأتي شرح هذا بالتفصيل في بحث تواريخ القرآن).
* *