والأيدي مترادفة ، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة والغرائم واحدة ، ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين؟ وملوكاً على رقاب العالمين؟! فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر امورهم ، حين وقعت الفرقة ، وتشتّت الألفة ، واختلفت الكلمة ، والافئدة ، وتشعبوا مختلفين ، وتفرقوا متحاربين ، قد خلع الله عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته ، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين» (١).
ويقول في خطبة اخرى :
«وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وابناء العمالقة! اين الفراعنة وأبناء الفراعنة (٢)! اين أصحاب مدائن الرّس (٣) الذين قتلوا النبيين ، واطفئوا سنن المرسلين ، وأحيوا سنن الجبارين؟ اين الذين ساروا بالجيوش ، وهزموا الألوف ، وعسكروا العساكر ومدّنوا المدائن؟» (٤).
كما أنّ الروايات الإسلامية أولت عناية كبيره لهذه المسألة ، واعتبرتها أحد المصادر المهمّة للمعرفة وبالأخصّ للمسائل الأخلاقية ، وتهذيب النفوس ، والالتفات إلى واقعيات الحياة.
وقد جاء في رواية أنّ الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام عندما كان في طريقه مع عسكره إلى صفين وصل إلى مدينة (ساباط) ثم إلى مدينة (بهرسير) (٥) (المناطق التي كانت مركزاً لحكومة الساسانيين) التفت أحد صحابته فجأة إلى آثار كسرى (والملك الساساني
__________________
(١). نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ ، (الخطبة القاصعة).
(٢). العمالقة : أقوام قوية ومتمكنة وجبارة وظالمة كانوا في شمال العراق ، وقد فتحوا «مصر» وحكموها لفترة في عهد الفراعنة.
(٣). يعتقد الكثير أنّ أصحاب الرس قوم سكنوا اليمامة جنوب الحجاز ، وكان لهم نبي باسم حنظلة ، وقال البعض أنّهم قوم شعيب ، ويعتقد بعض آخر أنّ مدنهم كانت بين الشام والحجاز (يراجع التفسير الأمثل ، ذيل الآيه ٣٨ من سورة الفرقان).
(٤). نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٢.
(٥). يقول البعض إنّها مشتقة من الأصل الفارسي أي (بوارد شير) أو (دهار دشير) وهي إحدى المدائن السبعة التي كانت تقع غرب نهر دجلة (معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٥١٥).