عند ركوبهم السفينة ومواجهتهم الأمواج المتلاطمة والزوابع والعواصف يذكرون الله ، لأنّهم لا يجدون أحداً يستطيع انقاذهم آنذاك من الشدائد غير الله.
فعندما تُرفع ستائر التقاليد الخرافية والأوهام والتعاليم الخاطئة وتتجلى فطرة البحث عن الله ، يذكرونه ويدعونه بإخلاص كامل.
وما أن يهدأ البحر أو يصلوا إلى الساحل ، حتى تساورهم الأفكار الملوثة بالشرك مرّة اخرى وتستعيد الأصنام وجودها في قلوبهم وتسدل ستاراً على فطرتهم مرّة ثانية؟
* *
والآية الخامسة ، بعد ما عَدَّتْ التوحيد دين وملة إبراهيم وانبياء عظام آخرين كإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى عليهمالسلام قالت : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
إنَّ النصارى الذين يعتقدون بالتثليث ، ويغسلون أولادهم بغسل التعميد ، ويضيفون ـ احياناً ـ مادة صفراء إلى الماء الذي يُغسل به ، ويقرنون عملهم هذا باسم «الأب» و «الابن» و «روح القدس» يعتبرون هذا العمل مطهراً لهم من الذنوب التي ورثوها من آدم عليهالسلام (١).
إنَّ القرآن أبطل هذه الأفكار جميعها وصرح : إنّ صبغة الله أحسن من هذه الصِبَغ الخرافية ، فسلموا لهذه الصبغة لتطهر أرواحكم من كل شرك وإثم وعبادة للأصنام.
وقد جاء في الروايات ـ كما قلنا سابقاً ـ أنّ المراد من الصبغة هو الإسلام والولاية (٢) ، وهذا تأكيد على وجود إلهامات فطرية في ذات الإنسان.
* *
__________________
(١). لقد جاء في قاموس الكتاب المقدس : أنّ غسل التعميد أحد القواعد المقدّسة التي كانت معروفة قبل ظهور المسيح عليهالسلام ، وهو من فرائض الكنيسة ، ويستعملون فيه الماء ويثلثون عليه ، ويعتبرونه مطهراً من النجاسات ويعتقد الكثير من المسيحيين أنّ الغسل هذا وجب على أولاد المؤمنين (القاموس ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨).
(٢). تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٣١٦ ؛ تفسير الدر المنثور ، ج ١ ، ص ١٤١.