أدنى من مستوانا فضلاً عن عالم النبوّة ، تُشاهد آثار أحاسيس وإدراكات يعجز البشر عن إدراكها ، فبعض الحيوانات تضطرب قبل حدوث الزلزلة وتصرخ بصورة جماعية أحياناً ، وتارة تحدث أصواتاً مروعة حاكية عن قرب وقوع حدث مفجع ، هذا كله بسبب تحلّيها بحاسة تستطيع بواسطتها أن تكشف قرب وقوع الزلزلة ، الأمر الذي تعجز عن كشفه أحدث تكنولوجيا في العصر الحاضر.
أو أنّ بعض الحيوانات تتنبأ بتغييرات الأحوال الجوية للأشهر القادمة ، فتبني بيوتها وفقاً لتلك الأحوال في الأشهر المقبلة عليها ، وتعد الطعام الذي يتناسب مع طول فصل المطر والشتاء ، فإذا كان طويلاً ـ مثلاً ـ يختلف مقداره عمّا لو كان قصيراً!
كما أنّ بعض الطيور قادرة على الهجرة الجماعية من المناطق القطبية إلى الاستوائية أو بالعكس ، وقد يتمّ ذلك في الليل وفي سماءٍ ملبدة بالغيوم ، مع أنّ الإنسان لا يمكنه السير في هذا الطريق وينجح باجتياز واحد بالمائة منه ، إلّابالاستعانة بالوسائل الدقيقة ، وكذا الأمر بالنسبة لبعض الحيوانات حيث تطلب صيدها في ظلام الليل الدامس ، وأحياناً تحت أمواج المياه وغير ذلك من الأمثلة التي يصعب على الإنسان تصديقها ، إلّاأنّ العلم أثبت صحتها.
إنّ هذه الواقعيات التي تثبت بالعلم والتجربة تكشف عن وجود إدراك وشعور خاص لتلك الحيوانات لا يوجد مثله عند الإنسان ، بالطبع إنّ الاطلاع الكامل على عالم حواس الحيوانات الغامض أمر محال ، إلّاأنّه لا يمكن إِنكار هذه الحقائق (١).
فبالرغم من أنّ حواس الحيوانات لها ابعاد مادية وطبيعية وهذا أمر طبيعي ولا يمثل جانباً غيبياً ، إلّاأننا لا نعرف حقيقة هذه الحواس ، فكيف يمكن لنا أن ننكر عالم الوحي الغامض أو نشكك فيه بسبب عدم إدراكنا له؟
لم نقصد من حديثنا هذا الاستدلال على ثبوت مسألة الوحي ، بل أردنا أن نرد على الذين ينكرون وجوده بسبب عدم إمكان إدراك حقيقته.
ولنا طرق واضحة لإثبات قضية الوحي منها :
__________________
(١). يراجع كتاب عالم حواس الحيوانات الغريب (بالفارسية).