الغريزية بالكامل ، ثم اعتمدت تدريجياً على حواسها وتخيلها وأحياناً تفكيرها ، وعندما نما عندها التفكير والحواس تدريجياً ، استخلفت الغريزة ، كذلك المجتمع البشري ، فبنموه وتكامل عقله ضعفت غريزة الوحي عنده.
٦ ـ إنّ للعالم البشري عهدين ، عهد هداية الوحي ، وعهد هداية التعقل والتفكير في طبيعة التاريخ.
٧ ـ إنّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله الذي ختمت به النبوة رسول للعهد القديم والحديث ، فانّه من حيث مصدر الالهام الذي كان يستفيض منه (لا مصدر التجربة الطبيعية والتاريخ) فهو يتعلق بالعهد القديم ، ومن حيث روح تعاليمه التي تدعو إلى التفكر والتعقل ودراسة الطبيعة والتاريخ (التي ينتهي عمل الوحي بمجيئها) فهو يتعلق بالعصر الحديث (١).
إنّ المستخلص من هذه الفرضية أنّ الوحي نوع معرفة لا إِرادية تشبه الغرائز وهي دون المعرفة الإرادية التي تحصل عن طريق الحواس والتجربة والعقل ، وتضعف هذه القدرة «الوحي» كلما تكامل جهاز العقل والفكر ، فيستخلف العقل حينئذٍ الوحي ، ومن هذا الباب ختمت النبوة.
بالرغم من أَنّ هذه الفرضية ـ صدرت عن مفكر إسلامي ـ إلّاأنّها أضعف في بعض جوانبها من الفرضيات التي قدمها علماء وكُتّاب غربيون في هذا المجال ، على الرغم من التشابه من حيث فقدان الدليل ، ويمكن القول : إنّ هذه النظرية أسوأ نظرية طُرحت في هذا المجال لحد الآن ، وذلك للامور الآتية :
أولاً : إنّ العلماء الغربيين عدوا الوحي شيئاً فوق الإدراك الحسي والعقلي للإنسان ، بينما عُدَّ في هذه النظرية شيئاً دون ذلك ، وهذا تفكير عجاب!
ثانياً : لم يَعِدَّ المفكرون الغربيون الوحي نوعاً من أنواع الغرائز الحيوانية ، في حين عُدَّ في هذه النظرية من هذا القبيل.
__________________
(١). مقدمة في الرؤية العالمية الإسلامية ، للشهيد المطهري رحمهالله (وقد ذكر الشهيد المرحوم النقاط السبع السابقة التي تعكس رأي اقبال اللاهوري في كتابه «احياء الفكر الديني في الإسلام» بشكل ملخص ونقدها).