عن المستضعفين ويعطون خبزاً للطيور فيحكم عليهم بالاعدام).
وعلى أيّة حال ، فإنّ هاتين الرؤيتين اللتين حكاهما القرآن بصراحة يكشفان عن امكان اعتبار الرؤيا كمصدر للمعرفة ، بالطبع لا كل رؤيا ولا كل معبّر ومفسر لها.
٧ ـ رؤيا سلطان مصر التي جاءت في نفس السورة ، وهي نموذج واضح آخر للرؤيا الصادقة ، يحكي القرآن هذه الرؤيا قائلاً :
(وَقَالَ الْمَلِكُ انِّى أَرَى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ واخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاىَ انْ كُنْتُم لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ). (يوسف / ٤٣)
وبما أنّ حاشية الملك لم يكونوا خبراء بتعبير الرؤيا ، قالوا له : «أضغاث أحلامٍ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين».
يحتمل أنّهم أرادوا طمأنة سلطان مصر بحديثهم هذا (ينبغي الالتفات إلى أنّ ملك مصر وفرعونها هو الحاكم العام لمصر ، بينما عزيز مصر هو ـ كما يقول بعض المفسرين ـ وزير الخزينة ، واسم فرعون المعاصر ليوسف هو «ريان بن وليد» واسم عزيز مصر «قطفيرعطفير» (١).
فتذكَّر عندها ساقي الملك الذي اطلق سراحه من السجن بعد أن رأى الرؤيا وأولها يوسف ، فحكى القصة للملك فبعث الملك شخصاً إلى يوسف كي يأوّل المنام ، فأوله هكذا : (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَآ حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ الَّا قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ الّا قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ). (يوسف / ٤٧ ـ ٤٨)
وقد تحقق المنام بعد ذلك ، وعندما شاهدوا الصدق والمعرفة في يوسف عليهالسلام ، أطلقوا سراحه ، وقد أدى به الأمر أن أصبح عزيز مصر ووزير الخزينة ، ثم من بعده أصبح ملك مصر كلها مع سعتها وعمرانها.
__________________
(١). نقل هذا المضمون في التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ١٠٨ (وللتفصيل يراجع «اعلام القرآن» ، ص ٦٧٣ ، كما قد صرّح «ابو الفتوح الرازي» أن نهاية يوسف وصوله إلى سلطة مصر» تفسير روح الجنان ، ج ٦ ، ص ٤٠١.