المعرفة والآفات ونفوذها التدريجي والغامض ، بشكلٍ عرّف سالكي طريق العلم ، والمعرفة بها تعريفاً كاملاً ، وأنذرهم كراراً بأن لا يفنوا عمرهم في السعي نحو السراب ظناً منهم أنّه ماء ، وبعد سنوات من السعي الحثيث من أجل الوصول إلى الحقيقة ينتهون إلى الباطل.
* *
والآن نبحث معاً الآيات المذكورة :
الحديث في الآية الاولى والثانية يدور حول تزيين الأعمال ، فتارة يزينها الشيطان للإنسان (كما جاء ذلك في الآية الثانية) وتارة تكون ذهنيات الإنسان ونفسه أو عوامل اخرى هي التي تزين للإنسان سوء أعماله (كما جاء ذلك في الآية الاولى ، حيث إنّ الفعل فيها مبني للمجهول) فقالت : (افَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فإِنَّ اللهَ يُضلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ) فإنّ الأول يتجه نحو الهاوية والثاني نحو الصراط المستقيم ، وإذا ما صدر منه عملٌ سيءٌ أسرع إلى التوبة وجبران ما عمل.
وتضيف الآية الثانية : إنّ قلب الإنسان يقسو في المرحلة الاولى ، ثم يتأهل لتقبل وسوسة الشيطان فتتمثل الأعمال السيئة حسنةً أمامه ، ومن هنا نرى بعض الناس غير نادمين على أعمالهم السيئة ، بل قد يفرحون ويتباهون بها ، ويصرون على منطقيتها وصحتها.
وقد حصل هذا الأمر لأخوة يوسف ، فعندما ألقوه في البئر وجاءوا أباهم بقميصه ملطخاً بدم كاذب ادعوا أكل الذئب له ، وأنّهم صادقون في كلامهم.
فأجابهم أبوهم : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً). (يوسف / ١٨)
أي ظننتم أنّكم أحسنتم عملاً بهذه الجريمة ، وانكم ستحلون محل يوسف في قلبي ، وأنّ يوسف انتهى أمره إلى الأبد ، غافلين عن أنكم توطئون بعملكم هذا مقدمات عزه وسلطانه ، وأنّ مكانه سيبقى فارغاً في قلبي حتى أرى الفقيد مرة اخرى.
وممّا يستحق الإشارة إليه هو أنّ القرآن ينسب تزيين الأعمال تارة للشيطان وتارة