حيث قالت الآية : (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون) فلا عجب في عدم تمكّنهم من رؤية الحقيقة.
* *
وتحدثت الآية الخامسة عن تفاقم الحالة السابقة بحيث تتبدل إلى مرض روحي ، فبعد إشارتها إلى الالقاءات والوساوس الشيطانية حتى للأنبياء والمرسلين قالت : (لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ).
نعم ، إنّ هذه القلوب التي لا تستلذ بطعم الحقيقة ، بسبب مرضها ، وحلاوة الحقيقة عندها كالمرارة ، على استعداد لقبول وسوسة الشياطين.
وممّا يلفت النظر هنا أن جملة (فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ) ، تكررت اثنا عشر مرّة في القرآن ، ممّا يكشف الأهميّة التي أولاها الله لهذه المسألة ، مع الالتفات إلى أنّ أغلب هذه الآيات عنت المنافقين وصُرّح بذلك في عدد منها (١).
إلّا أنّ المرض جاء في بعض من هذه الآيات بمعنى «الشهوات والميول والهوى» ، كما هو الحال في الآية : (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَولِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ). (الاحزاب ٣٢)
وعلى أيّة حال ، فإنّ المستفاد من الآيات هو أنّ الإنسان كما يصاب جسمه بامراض ، كذلك روحه فانّها قد تصاب بامراض سببها «النفاق» تارة و «الأهواء والميول» تارة اخرى ، وتغيّر عند عروضها ـ ذائقة روح الإنسان بالكامل ، كما نرى ذلك في أمراض الجسم فقد تُغير مزاجه بشكل تجعله يستلذ بالأغذية الشاذة والكريهة ولا يستلذ بالأكلات اللذيذة والمفيدة ، فإنّ إنساناً كهذا غير قادر على إدراك الحقائق ووعي الامور وفهمها.
ومن المؤسف أنّهم كلما استمروا في طريقهم كلما تفاقم عندهم المرض ، فإذا كانوا في مرحلة الشك ، فسيتفاقم عندهم ويشتد ويصل تدريجياً إلى مرحلة الانكار ومن الانكار
__________________
(١). الأنفال ، ٤٩ ، والأحزاب ، ١٢ و ٣٢.