وآية اخرى أشارت إلى سبب آخر من أسباب الطبع ، حيث قالت : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَّو نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِم). (الاعراف / ١٠٠)
أي أنّهم يذنبون رغم رؤيتهم وعلمهم بأحوال السابقين وابتلائهم بالعذاب الإلهي من جراء ذنوبهم ، فطبع على قلوبهم.
وممّا يذكر هنا أنّ الطبع جاء في الآية الثامنة بصيغة المضارع «نطبع» وفي التاسعة بصيغة الماضي «طبع» وهذا تلميح إلى أنَّ الطبع نتيجة سوء أعمالهم وتصرفاتهم.
يقول بعض المفسرين : إنّ المراد من «الطبع» في مثل هذه الآيات هو نفس السبك والنقش الذي يستخدم للدراهم والمسكوكات ، وهو نقش ثابت وباقٍ ، لا يتغير بسهولة (١) ، فانَّ نَقْشَ الكفر والنفاق والإثم نُقِشَ على قلوبهم فلا يمحى بسهولة.
* *
وتحدثت الآية العاشرة والحادية عشرة عن «الختم» وكما قلنا سابقاً في شرح المفردات : إنّ الختم يعني الانتهاء والفراغ من شيء ، وبما أنّ الرسائل تختم عند الفراغ منها استعملت هذه المفردة هناك أيضاً ، وختم الشيء قفله وشده بحيث لا يمكن لأحد فتحه ، والمراد من الختم على القلوب والأسماع والابصار في الآيات ، هو سلب قدرتها عن التمييز بين الحق والباطل ، والخير والشر وذلك بسبب أعمال أصحابها وتصرفاتهم ، ولهذا يذكر القرآن في الآية السابقة : (انَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). (البقرة / ٦)
المسلم به هو أنّ هذا الخطاب لا يعم الكافرين كلهم بل يخص المتعصبين والمعاندين منهم ، أي أولئك الذين غرقوا بذنوبهم إلى درجة حيث أصبحت قلوبهم ظلماء ، وإلّا فالنبي أُرسل مبشراً ومنذراً للكافرين والمنحرفين.
والجدير ذكره هنا هو أنّ الآيات تحدثت عن الختم على الأبصار والسمع كما تحدثت
__________________
(١). تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ٣٣.