ويلاحظ هنا عدم اضافة «قلوب» إلى الأقفال بل جاءت بصيغة النكرة ، وكأن هذا إشارة إلى أن هذه القلوب ليست لهم ، والأعجب من هذا هو إضافة «الأقفال» إلى «القلوب» وكأنّ قلوبهم أهل للأقفال فقط لا لشيء آخر.
* *
وفي الآية الثالثة عشرة تعبير يهز الضمائر حيث يقول تعالى : (انَّهَا لَاتَعَمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعَمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ). (الحج / ٤٦)
أي أنّ الحاسة الباصرة إذا فقدت فهذا ليس بعمى ، لإمكان أن يسد العقل اليقظ فراغها ، وإنّما الشقاء والبؤس والتعاسة في القلوب إذا عميت ، فعمى القلوب أكبر حاجب عن إدراك الحقيقة ، والإنسان بنفسه يُعمي قلبه ، ولقد أثبتت التجربة أنّ الإنسان إذا ما جعل عصابة على عينيه أو مكث في ظلام لمدّة طويلة ، فإنّه سيفقد باصرته تدريجياً ، كذلك الأمر بالنسبة للذين يغمضون عيون قلوبهم عن الحقائق ، أو يمكثون مدّة طويلة في ظلمات الجهل والغرور والإثم فإنّ قلوبهم ستعمى ، وتكون غير قادرة على إدراك أي حقيقة.
يُشكِكُ البعض أنّه لا يمكن أن يراد من القلب (الذي في الصدر ويضخ الدم إلى جميع أعضاء البدن) بل المراد العقل والروح.
إلّا أنّه بملاحظة استعمال «الصدر» بمعنى الذات والفطرة يتضح لنا أنّ المراد من (القلُوبُ الِّتِى فِى الصُّدُورِ) هو الإدراك العقلي المودع في طبيعة الإنسان.
إضافة إلى هذا ، فإنّ القلب أول عضو في بدن الإنسان يتأثر بعواطف وأحاسيس وإدراكات الإنسان ، نلاحظ أنّ اتخاذ قرار مهم ، أو حصول حالة غضب شديدة ، أو الاحساس بالحب القوي تجاه شخص ما يُزيد من دقات القلب ، فإذا استعمل القلب الظاهري كناية عن العقل ، فلأجل العلاقة الوثيقة التي بينه وبين الروح (١).
* *
وقد تحدثت الآية الرابعة عشرة والأخيرة عن آخر مرحلة لحرمان الإنسان من المعرفة ،
__________________
(١). للمزيد من العلم راجع التفسير الأمثل ذيل الآية ٧ من سورة البقرة.