والآية الثالثة تشير إلى فريق من المنافقين الذين يستمعون للنبي صلىاللهعليهوآله ، وبمجرّد ابتعادهم عنه استهزئوا به أمام المؤمنين.
يقول القرآن عن هذا الفريق من المنافقين : (أُولئِكَ الَّذِيْنَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُم).
إنّ هذه الآيات الثلاث تبيّن بوضوح العلاقة بين اتباع الهوى وفقدان قدرة التمييز.
لِمَ لا يكون اتباع الهوى مانعاً عن إدراك الحقيقة وقد استحوذ حبه على جميع جوانب الإنسان ، فلا يرى شيئاً غيره ولا يفكر إلّابه؟ وقد سمعنا قول الرسول كثيراً حيث يقول فيه : «حُبُّكَ لُلشَّيء يُعْمِي وَيُصِمُّ» (١).
كما سمعت في هذا المجال حديثاً آخر نقل عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وعن أميرالمؤمنين : «أمّا اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق» (٢).
إنّ هذه المسألة واضحة إلى درجة أنّها أصبحت مثلاً في كلام العرب : «صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلّاحاجته» (٣).
إنّ الإنسان الذي خسر قلبه وروحه في حب الجاه والمال والشهوة ، وعبّأ كل رأس مال وجوده في هذا المجال ، لا يرى شيئاً في الدنيا غير هذا الحب ، وقد جعل هذا الحب ستاراً سميكاً حجب عقله وفكره.
وما أجمل ما قاله علي عليهالسلام في إحدى خطبه : «مَنْ عشقَ شيئاً أعشى بصره» (٤).
وقد نقلت الرواية التالية في شأن نزول الآية ٢٣ من سورة الجاثية التي أشرنا إليها سابقاً :
إنّ أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة (فقد كانت الكعبة محترمة في
__________________
(١). روضة المتقين ، ج ١٣ ، ص ٢١.
(٢). بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٧٥ ؛ ونهج البلاغة الخطبة ٤٢.
(٣). تفسير المراغي ، ج ٥ ، ص ١٥٧.
(٤). نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٩.