وقد شبهت الآية الثانية المنافقين بالذي ضلَّ متورطاً في ظلمات الليل ، ثم استوقد ناراً ليرى مما حوله ، فجاء ريح عاصف وأطفأ ما استوقده فبقي في الظلمات تارة اخرى ، فلا يبصر ولا يسمع ولا ينطق شيئاً ، ولا طريق له للرجوع.
قد يكون المراد من النور الذي جاء في الآية هو نور الإيمان الظاهري الذي يراه المنافق ويستضيء به ما حوله ويحفظ نفسه وماله تحت ضيائه.
أو أنّ المراد منه هو نور الفطرة الذي جُبل عليه الإنسان ، والمنافقون يستثمرون هذا النور في البداية ، ولا يمضي زمن طويل حتى تأتي زوبعة النفاق فتطفئه.
وتحدثت الآية الثالثة والرابعة عن المنافقين مرضى القلوب ، وبقرينة الآيات السابقة ندرك أنّ المراد من «الذين في قلوبهم مرض» هو نفس المنافقين وأنّ العطف عطف تفسيري (١) ، إلّاأنّ الآية الثالثة تحدثت عن موقفهم في معركة بدر ، والرابعة عن موقفهم في معركة الأحزاب ، والفرق هو أنّهم كانوا في «بدر» في صفوف المشركين لأنّ المشركين يوم ذاك كانوا القوة الراجحة ، وفي معركة الأحزاب كانوا مع المسلمين.
كانوا يقولون : «اغترَّ هؤلاء المسلمون بدينهم ، وقد خطوا هذه الخطوة الخطيرة (الجهاد) رغم قلة العدّة والعدد ظناً منهم بالنصر ، أو بالشهادة التي مصيرها الموت»!
بالطبع ، إنّهم غير قادرين ـ بسبب المرض الذي في قلوبهم ـ على الإدراك الصحيح لعوامل النصر الحقيقية أي الإيمان والثبات والفتوة التي هي وليدة الإيمان فما كانوا يدركون أن من يتوكّل على الله القادر فهو حسبه وهو ناصره ، والشاهد على هذا الحديث هو ما حصل
__________________
(١). لقد جاء في تفسير الميزان ، ص ١٦٤ و ٣٠٢ ؛ وكذلك تفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ١٧٦ ، أنّ المراد من الذين في قلوبهم مرض هم ضعيفو الإيمان وهم غير المنافقين. لكن لا يتناسب ضعف الإيمان مع المرض في القلب ، إضافة إلى أن الآيات الثلاثة عشرة التي جاءت في أوائل سورة البقرة استعملت هذا التعبير في حقهم. كما يبدو بُعد الرأي الذي يفسر المرض بالترديد والشك ، لأنّ المرض نوع من الانحراف ، بينما الشك نوع من الفقدان.