قائمة على دليل أو مستندة إلى شيء ، ويقوم قوم آخرون باتباع أولئك القوم وتقليدهم فيها ، وهذا هو أكبر عامل لانتقال المعتقدات الفاسدة والتقاليد الخاطئة من قوم إلى آخر ، وهذا النوع من التقليد استهدفته أكثر الآيات التي ذمّت التقليد.
واضح أن القسم الأول من التقليد هو القسم المنطقي الوحيد ، وقد اعتمدت حياة الناس على ذوي الاختصاصات وعلى هذا النوع من التقليد المنطقي ، لأنّ الإنسان حتى لو كان نابغة زمانه لا يمكنه التخصص في جميع الاختصاصات والفروع العلمية ، خصوصاً ، وأنّ العلم ـ في هذا العصر ـ أصبحت له فروع وتشعبات لا تُعد ولا تُحصى ، ومن المحال أن يتخصص إنسان في فروع علمٍ أو فنٍ واحدٍ ، فضلاً عن جميع العلوم والفنون.
وعلى هذا ، فكل إنسان يمكنه أن يكون مجتهداً في فرع من فروع العلوم ، أمّا في الفروع الاخرى التي لم يجتهد فيها ، فلا طريق له إلّاالرجوع إلى المتخصصين فيها.
إنّ المعمار يراجع الطبيب إذا مرض ، والطبيب يراجع المعمار إذا أراد بناء عمارة ، أي أنّ كلاً منهما «مجتهد» في تخصصه و «مقلِّد» في التخصص الآخر ، وهذا (رجوع الجاهل إلى العالم وغير المجتهد إلى المجتهد وغير المتخصص إلى المتخصص) أصل عقلائي كان ولا يزال متعارفاً ودارجاً بين الناس ، بل إنّ عجلة الحياة تسير على هذا النوع من التقليد ، بالطبع أنّ هناك شروطاً ينبغي توفرها في المجتهد الذي يُرجع إليه ، سنتعرض لها بعد ذلك.
وهذا التقليد هو الذي أشار إليه البارى تعالى في القرآن الكريم وعنونه بـ (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). (الأحزاب / ٢١)
كما جاء في الآية : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِةْ). (الانعام / ٩٠)
ورغم أنّ الخطاب موجه للرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، لكن لا يبعد أن يكون المخاطب به الامة بأجمعها.
أمّا الأقسام الثلاثة الباقية من التقليد فكلّها باطلة ولا أساس منطقي لها ، فتقليد (العالم للجاهل) و (الجاهل للجاهل) حالهما واضح ، وأمّا تقليد (العالم للعالم) فان كان من باب مراجعة أحدهما الآخر للتشاور وتكميل المعلومات ، فلا يُعدُّ هذا تقليداً بل هو نوع من «التحقيق».