وقد قيل للأماني أماني لأنّ الإنسان يقدرها ويصورها في ذهنه.
وعلى أيّة حال ، فإنّ المؤمنين عندما يجتازون المحشر نحو الجنّة بسرعة في ظل الإيمان يصرخ المنافقون والمنافقات : (أُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُم) ، فيجيبهم المؤمنون : (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ) الدنيا (فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَينَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الْرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ). (الحديد / ١٣)
وعندها يصرخ المنافقون : (أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ) في الدنيا في مجتمع واحد وقد كنا في بعض الطريق معكم؟ فما الذي حصل حيث انفصلتم عنا واتجهتم نحو رحمة الله وتركتمونا في العذاب؟
فيجيبهم المؤمنون (بلى) كنا معكم في مجتمع واحد ، في الزقاق وفي السوق ، وفي السفر والحضر ، وكنا جاراً لكم ، بل عشنا في بيت واحد ، ولكنكم أخطأتم خمسة أخطاء فاحشة ، الأوّل : أنّكم سلكتم طريق الكفر والنفاق ففتنتم أنفسكم : (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ).
وثانياً : أنّكم (تَرَبَّصْتُمْ) وترصدتم فشل المسلمين ، وموت الرسول صلىاللهعليهوآله ، وتحججتم في كل عمل خير.
وثالثاً : (وَارْتَبْتُم) وترددتم خاصة في مسألة المعاد ، وحقانية الإسلام.
ورابعاً : (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُ) التي نسجت حجاباً ضخماً على عقولكم وأفكاركم (حَتّى جاءَ أَمرُ اللهِ).
وخامساً : (وَغَرّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي غركم الشيطان بعفو الله ووعدكم بألّا يَنالَكُمْ عذابه.
نعم ، إنّ هذه العوامل معاً أوجدت المنظر الذي صوره القرآن لنا ، وهي التي سببت خلق سورٍ عازل بين المؤمنين والمنافقين.
إنّ شاهد حديثنا هو الجملة الرابعة ، حيث جاء فيها (وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِىُ) ، الأماني قد تصل إلى درجة بحيث تشغل فكر الإنسان بالكامل ، فيغفل عن كلّ شيء ، ويظل في