وكذلك الأمر بالنسبة للذنوب ، فبالاصرار عليها وارتكابها مرات عديدة تحصل هذه الملكةُ عند الإنسان ، ونعلم أنّه لا حقيقة للذنب غير إشغال القلب بغير الله ، والتوجه لغير الله ظلمة ، وعندما تتراكم الظلمات على القلب تسلبه صفاءَه وشفافيته ، وإنّ لهذه الظلمات درجات ومراحل ، المرحلة الاولى هي مرحلة «الرَيْن» أو الصدأ ، والمرحلة الثانية هي مرحلة «الطبع» والمرحلة الثالثة هي مرحلة «الأقفال» وهي أشد المراحل.
* *
والآية الثانية ناظرة إلى المنافقين الذين يَدّعون الإيمان ، فإذا ما نزلت آية في الجهاد تمارضوا وتذرّعوا بذريعة من هو على وشك الموت ، فيخاطبهم القرآن قائلاً ، إنّ استمراركم في مخالفتكم هذه وإعراضكم عن العمل بكتاب الله ، سيؤدي بكم إلى أن تفسدوا في الأرض ، وأن تقطعوا أرحامكم ، ولا يأمن شركم حتى أرحامكم ، ثم يضيف : (أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) (بذنوبهم) (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) فما كادوا يسمعون الحق ولا يرونه.
وقد كشفت هذه الآيات عن أنّ النفاق حجاب للقلب والروح من جهة ، ومن جهة اخرى عن التأثير السلبي للذنوب خصوصاً (الفساد في الأرض) و (قطع صلة الرحم) و (الظلم والجور) على إدراك الإنسان وتمييزه بين الحق والباطل.
ولقد فسّر البعض عبارة «إن توليتم» بالاعراض ، وفسرها بعض آخر بالولاية والحكومة ، أي أنَّ مقاليد الامور إذا أصبحت بأيديكم فستفسدون وتريقون الدماء وتقطعون الأرحام (١) ، ولهذا جاء عن أميرالمؤمنين عليهالسلام : أنّ الآية نزلت في بني امية (٢) ، وهذا تلميح إلى أنّهم عند استلام زمام الامور والحكومة الإسلامية سوف لا يرحمون صغيراً ولا كبيراً ، ولم يسلم من ظلمهم أحد حتى أقاربهم وذووهم.
__________________
(١). ورد كلا التفسيرين في تفاسير روح المعاني ومجمع البيان والميزان في ذيل الآيات المذكورة في البحث.
(٢). تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٠ ، ح ٥٩.