يلاحظها بنفسه ، فأدرك معاوية صدق الكوفي فيما يقوله ، لكن رغم ذلك قال له : إنّ الحكم صدر وانقضى ، وبعد ما تفرّق الناس أرسل معاوية رجلاً إلى الكوفي ، فأتاه وأعطاه ضعف قيمة جمله ، وقال له : «أبلغ علياً أنّي اقابله بِمِائةِ ألفٍ ما فيهم من يُفرق بين الناقة والجمل» (١).
وخلاصة القول : إنّ في التاريخ شواهد ونماذج كثيرة تكشف عن كيفية إغواء الطغاة والساسة لأُمم عظيمة وغسل أدمغتهم بحيث ضلوا حَيارى في متاهات الدروب ، وابتلوا بمصائب كثيرة ، وعند استتباب الأوضاع ورجوعها إلى حالتها الطبيعية ، وعند سقوط الجبار المضل ، وارتفاع حجب الاعلام ، يستيقظ بعض الناس وينتبهون لماضيهم فيتأسفون ويندمون كثيراً.
وفي العصر الحاضر اكتسب الاعلام قدرة عظيمة بدرجة انَّ في بعض الدول المتقدمة ـ اصطلاحاً ـ تأخذ وسائل الاعلام بأيدِ الشخصيات العلمية والمفكرين الواعين نسبياًصناديق الاقتراع ليصوتوا للشخصيات التي تدعو إليها وسائل الاعلام تلك ، وقد يتصور أنّهم احرار على الاطلاق ، بينما لا خيار لهم من جراء وسائل الاعلام تلك.
إنّ اتساع وسائل الاعلام المسموعة والمرئية واستعانتها بفنون علم النفس يزيد في تأثير الاعلام على النفوس بدرجة يَحارُ فيها الخارجون عن دائرة الاعلام والمتمكّنون من متابعة الامور من دون رأي مسبق فيها.
إنّ هذا الأمر لم ينحصر في الامور السياسية فحسب ، بل في الامور الاقتصادية كذلك ، فإنّ وسائل الاعلام يمكنها بحملة إعلامية أن تسوق المجتمع نحو استهلاك سلعة قد تكون اعتباطية أو مضرة أحياناً ، وبهذا يُفرض على المجتمع اقتصادٌ سقيم.
إنّ الاستعانة بعناوين وقيم كاذبة مثل الاستعانة بعنوان «موديل» أحد أوسع وأعقد الطرق للوصول إلى هذه الأهداف غير المشروعة.
كما أنّه يستعان بالاعلام الثقافي الغامض لفرض المذاهب الفكرية المختلفة على الشعوب ، فتارة يُفرض مذهب باطل وعارٍ عن الاسس المنطقية ، وكأنه مذهب فلسفي منطقي إنساني.
__________________
(١). مروج الذهب ، ج ٢ ، ص ٧٢ ؛ الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ، ج ٤ ، ص ٩٥٦.