المتقين ستهديهم إلى مراحل ارفع واسمى بالاستعانة بهداية القرآن.
وتوجد تعبيرات في القرآن تشبه ما جاء في الآية السابقة ، مثلما جاء في الآية : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ). (الحاقة / ٤٨)
فعدت الآية الاولى القرآن «هدى» للمتقين وسبباً لهدايتهم ، والثانية «تذكرة» لهم ، ونعلم أنّ «التذكر» من مقدّمات «الهداية» ، ولهذا عندما وصل عدد من المفسرين إلى هذه الآية أرجعوا الحديث فيها إلى نفس الحديث في بداية سورة البقرة.
وعلى أيّة حال ، فإنّ هذه الآيات شاهد ناطق على دور التقوى كممهّد للمعرفة والهداية.
* *
وقد وضحت الآية الثانية علاقة التقوى بالمعرفة توضيحاً أكثر من الآية السابقة وصرحت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا انْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَّكُمْ فُرْقَاناً).
إنَ «الفرقان» ـ كما يقول بعض أئمة اللغة ـ : (اسم مصدر) ، وادعى بعض آخر (مصدر) إلّاأنّ أغلب المفسرين يصرحون بأن له ـ في موارد كهذا المورد ـ معنى فاعلياً مقروناً بالتأكيد (أشبه ما يكون بمفهوم صيغة المبالغة) ، ومعناه الشيء الذي يفرق بين الحق والباطل ، وله مفهوم واسع يشمل القرآن المجيد ومعجزات الأنبياء والأدلة العقلية الواضحة وشرح الصدر والتوفيق والنورانية الباطنية وغير ذلك (١).
وبهذا ، فالقرآن يقول بأنّ «التقوى» هي الأرضية التي تعد للمعرفة والتي يمكن الاستدلال بها تماماً في بعض المراحل ، وتنطوي في المراحل الاخرى ضمن الامدادات الإلهيّة المعنوية.
سمى القرآن المجيد يوم معركة بدر «يوم الفرقان» ، وذلك من حيث إنّه يوم شهد آيات الله البارزة تؤيد جند الإسلام ضد جند الشرك ، فبالرغم من عِدَّة وعدد المشركين الذي يقدر بثلاثة أضعاف عدد المسلمين ، تحملوا ضربات قاسية من المسلمين لم يتوقعها أحد.
__________________
(١). راجع المفردات ، وكتاب العين ، ولسان العرب ، ومجمع البحرين ، والميزان ، والكشاف في ذيل الآية نفسها.