وصحة (١) نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية
______________________________________________________
(١) إشارة إلى دفع ما يمكن أن يتوهم في المقام من : أنه إذا كان العقل هو الحاكم في باب الإطاعة والمعصية حتى إنه لا يصح للشرع نصب الطريق ، فكيف يمكن نصبه للطريق في حال الانفتاح ، وأي فرق بين حال الانسداد وحال الانفتاح؟ وهذا ينافي ما تقدم آنفا من كون الظن طريقا عند الانسداد عقلا لا شرعا.
وحاصل الدفع : أن صحة نصب الطريق غير منافية لكون العقل مستقلا في باب الإطاعة ؛ إذ ربما ينصب الشارع طريقا للتسهيل بما ليس للعقل نصبه كما لو نصب الشارع الشهرة طريقا ، فإن العقل لا يرى للشهرة كشفا عن حكم المولى.
فقوله : «لا تنافي» خبر لقوله : «صحة نصبه». والحاصل : أن العقل لا يمنع نصب الشارع للطريق ، وإنما يمنع عن كون الطريق الذي عينه العقل مجعولا للشارع مولويا ، فالعقل يستقل بلزوم الإطاعة «بنحو» الظن «حال الانسداد ، كما يحكم بلزومها» أي : الإطاعة «بنحو آخر» كالقطع «حال الانفتاح ...» الخ.
توضيح التوهم ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ١٦» ـ : أن عدم قابلية الإطاعة الظنية للحكم المولوي إنما هو فيما إذا لوحظ الظن طريقا لإحراز الواقع بالظن ، ضرورة : أنه لا فائدة حينئذ في هذا الحكم المولوي ؛ بعد حكم العقل بلزوم إحراز الحكم الواقعي بالظن ، دفعا للعقوبة المحتملة في صورة ترك العمل به.
وأما إذا لوحظ الظن موضوعيا بحيث يترتب المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته مع قطع النظر عن الواقع كسائر الأحكام الظاهرية ، فلا وجه لمنع تعلق الحكم المولوي بالعمل بالظن واستكشاف حكمه من حكم العقل بقاعدة الملازمة.
فالمتحصل : أنه يمكن استكشاف حجية الظن شرعا بقاعدة الملازمة.
وأما الدفع فتوضيحه : أن نصب الطريق لا بملاك إحراز الواقع وإن كان جائزا ؛ لكن لا يمكن استكشافه بقاعدة الملازمة ، وذلك لاعتبار وحدة الموضوع في الحكم الشرعي والعقلي في هذه القاعدة كالظلم ، حيث إنه موضوع لحكم العقل ـ أعني : القبح ـ وهو بنفسه موضوع أيضا لحكم الشرع ـ أعني : الحرمة ـ وهذا بخلاف المقام ، فإن الظن الملحوظ طريقا صرفا لإحراز الواقع ـ وهو الموضوع للحجية العقلية ـ غير الظن الملحوظ طريقا شرعا ؛ إذ على التقدير الأول : يكون الفعلي هو الحكم الواقعي ، وعلى الثاني : يكون الفعلي هو الحكم الظاهري ؛ لامتناع فعلية حكمين واقعي وظاهري معا لموضوع واحد ؛ كما عرفت في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.