المرجح (١) ، لا أنه مرجح ؛ إلّا (٢) إذا ظن أنه أيضا (٣) مرجح ، فتأمل جيدا.
______________________________________________________
وقد أجاب المصنف عن هذا الوجه الثالث أولا : بما أشار إليه بقوله : «لو جرت» من عدم تسليم جريان مقدمات الانسداد في خصوص الترجيح ، ولعله لأجل عدم العلم الإجمالي بعد كون المرجحات المنصوصة بمقدار المعلوم بالإجمال.
وثانيا : بأن مصب المقدمات المذكورة هو المرجحات المعلومة إجمالا ـ بعد الفراغ عن مرجحيتها ـ بالمعتبر بالانسداد هو : الظن بتعيين ما هو مرجح ؛ لا الظن بأن هذا الشيء مرجح ، فمقدمات الانسداد إنما تنتج حجية الظن بتعيين تلك المرجحات المعلومة إجمالا ، فإن ظن بأن الشهرة الفتوائية مثلا مرجحة للخبر كان هذا الظن حجة بدليل الانسداد ، وتثبت به مرجحية الشهرة للخبر المبتلى بالمعارض ، ولا تنتج حجية الظن بأن هذا الشيء مرجح كما هو المطلوب.
قوله : «إنما توجب» خبر «ومقدماته» ، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني.
(١) أي : الذي هو من المرجحات المعلومة إجمالا.
(٢) استثناء من قوله : «لا أنه مرجح» المعطوف على قوله : «تعيين» ، وضمير «أنه» في الموضعين راجع على الظن ، وقوله : «أيضا» يعني : كما أنه معين للمرجح المعلوم إجمالا كونه مرجحا.
(٣) أي : كحجية الظن بالمرجح.
وحاصل الكلام في المقام : أنه إذا علم إجمالا بمرجحية أمور ، وحصل الظن ـ بمقدمات الانسداد ـ بأن منها الشهرة في الرواية ، فهذا الظن الانسداد معين للمرجح أعني : الشهرة ، فإذا حصل الظن بأن هذه الشهرة المستندة إلى الظن الانسدادي بنفسها مرجحة لأحد الخبرين المتعارضين : جاز الترجيح بها.
والحاصل : أن مقدمات الانسداد لو جرت في المرجحات ـ كجريانها في الأحكام ـ أنتجت أمرين : أحدهما : حجية الظن في تعيين المرجح ، والآخر : حجية الظن بمرجحية الأقربية مثلا.
قوله : «فتأمل جيدا» لعله إشارة إلى : أن دليل الانسداد قاصر عن إثبات حجية الظن في الأحكام الشرعية ، فضلا عن حجيته في تعيين المرجحات عند التعارض ؛ إذ لم يثبت وجوب الترجيح بها حتى يكون انسداد باب العلم بها كانسداد باب العلم بالأحكام موجبا للأخذ بالظن ؛ لإمكان حمل الأمر بالترجيح ـ كما سيأتي في باب التعادل والترجيح ـ على الاستحباب كما اختاره المصنف وجماعة ، فلا يبقى مجال للتمسك