.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك حتى عمت سائر طرق التشأم ، فإن العرب في الجاهلية كانت تلتزم وتعتني بما يتشأم بالطيور وغيرها ، وكانت الطيور تصدهم عن مقاصدهم ، فللشارع المقدس أن يمضي تلك الالتزامات ؛ ولكنه ردع عنها امتنانا حتى لا تتعطل حياتهم لأمور لا واقع لها.
وأما الوسوسة في التفكر في الخلق ، أو التفكير في الوسوسة في الخلق : فالمراد من الخلق في هذه الجملة يمكن أن يكون أحد معنيين :
الأول : أن يكون بمعنى الخالق أي : خالق الباري ، فيتفكر في أنه من خلق الباري تعالى؟
وهو سؤال يشكل جوابه على العوام وإن كان واضحا عند المحققين ؛ لأن الحاجة إلى الخالق تتصور بالنسبة إلى كل حادث أو ممكن الوجود ، والله «تبارك وتعالى» لا يكون حادثا أو ممكنا ، ومع ذلك كان أمرا شايعا في عصر صدور الحديث ، وكانوا يتوهمون حصول الكفر به ، فرفع الشارع أثره المتوهم امتنانا.
الثاني : أن يكون في مقابل الخالق ، والمراد منه حينئذ : الوسوسة في التفكر في البلايا والشرور ، وتكرار القول ب «لم» بالنسبة إليها أي : القول بأن الله تعالى لم خلق الشيء الفلاني ، ولم خلق العالم كذا وكذا ، فرفع الشارع حرمة هذه الوساوس امتنانا ؛ كما في بعض الكتب المبسوطة.
وأما نسبة هذا الحديث إلى أدلة الأحكام الأولية : فهي حكومة على المشهور ، فحديث الرفع حاكم على أدلة الأحكام الأولية ؛ كأدلة نفي الضرر والحرج.
توضيح ذلك : أن أدلة الأجزاء والشرائط والموانع مثلا تدل على أصل الجزئية والشرطية والمانعية ، ولا تدل على كيفية دخلها ، وحديث الرفع يتعرض لكيفية الدخل ، وأن جزئيتها أو شرطيتها أو مانعيتها مختصة بغير حال النسيان مثلا ، فضابط الحكومة ـ وهو تعرض أحد الدليلين لما لا يتكفله الآخر ـ ينطبق على حديث الرفع.
وبعبارة أخرى : لا شك أن إطلاق الأدلة الأولية يعم كثيرا من الأحوال الثانوية ؛ ككون الحكم ضرريا أو حرجيا أو مجهولا أو منسيا ، وغير ذلك من العناوين الثانوية ، وكون المكلف مضطرا أو مكرها ، فإذا ورد قوله : «رفع عن أمتي تسعة : الخطأ والنسيان