.................................................................................................
______________________________________________________
ذكر في تقريب الاستدلال بحديث الرفع ، بمعنى : أن المراد من الموصول في «ما حجب الله» عاما يعم كل محجوب ، سواء كان حكما أو هوية الموضوع ، وليس حديث الحجب مقرونا بشيء يوهم اختصاصه بالشبهة الموضوعية ، بخلاف حديث الرفع فإن قرينة السياق كانت موجبة للشك في عموميته.
نعم ؛ يمكن أن يقال : إن حديث الحجب على عكس حديث الرفع ، بمعنى : أن حديث الرفع بقرينة وحدة السياق ظاهر في الشبهة الموضوعية. وحديث الحجب بقرينة إسناد الحجب إلى الله تعالى ظاهر في الشبهة الحكمية ، فإنه يتناسب مع إرادة الحكم الكلي المجهول من الموصول كما لا يخفى.
هذا مجمل الكلام في الاستدلال بحديث الحجب على البراءة.
وأما تفصيل الكلام في توضيح الاستدلال به على البراءة فيتوقف على مقدمة وهي : شرح مفردات الحديث ، وهي الحجب ، والعلم ، والوضع.
أما الحجب : فهو لغة بمعنى : الشر ، والمحجوب هنا هو الحكم الشرعي المجهول لا الملاكات والمقتضيات ، حيث إن وظيفة الشارع من حيث إنه شارع بيان الأحكام ، وحجب الحكم يتحقق تارة : بأمره حجبه بعدم تبليغه إلى العباد ، وأخرى باختفائه عنهم بعد تبليغه لمعصية العصاة المانعة عن وصوله إلى المكلفين.
وأما العلم : فالمراد به حيث يطلق في الروايات وغيرها هو : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ؛ لا كل اعتقاد جازم وإن كان مخطئا.
وأما كلمة «وضع» : فإن تعدت بحرف الاستعلاء : دلت على جعل شيء على شيء وإثباته عليه ، وإن تعدت بحرف المجاوزة : دلت على معنى الإسقاط ؛ كقوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(١) أي : أسقطها عنهم ، ومن المعلوم : أن إسقاط شيء كالحق عن الذمة فرع استقراره فيها.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن تقريب الاستدلال بالحديث على البراءة من الوضوح على حد لا يخفى على أحد ، حيث إنه يدل على أن الحكم الواقعي المجهول قد وضعه الشارع عن العباد ورفعه عنهم فعلا ، فيكون المراد بحجبه : عدم وصوله ، سواء كان بعدم بيانه أم بإخفاء الظالمين له ، ومن الواضح : إن المرفوع ليس نفس الحكم الواقعي المجهول ؛ لاستلزامه التصويب ، فلا بد أن يكون الموضوع عن العباد إيجاب الاحتياط ،
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.