وأنه (١) كالإقدام على ما علم مفسدته ؛ كما استدل به شيخ الطائفة «قدسسره» على أن الأشياء على الحظر أو الوقف (*).
قلت : استقلاله بذلك (٢) ممنوع ، والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان ، حيث إنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته ، ولا يعاملون معه (٣) ما علم مفسدته.
______________________________________________________
دفعه ، فتكون هذه الكبرى بيانا للمشكوك وصالحة لرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
فالمتحصل : نعم احتمال الوجوب لا يلازم احتمال المنفعة ، واحتمال الحرمة لا يلازم احتمال المضرة ولا العقاب الأخروي ؛ «ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام ...» الخ. وهذا المقدار كاف في حكم العقل بلزوم الاجتناب عن محتمل الحرمة الملازم لاحتمال المفسدة ، فإن المفسدة المحتملة مما لا يجوز الإقدام عليها ، كما لا يجوز الإقدام على المفسدة المعلومة.
(١) عطف على «قبح» ، وضميره راجع على الإقدام ، أي : وبأن الإقدام على «ما لا تؤمن مفسدته كالإقدام على ما علم مفسدته» في القبح عقلا.
(٢) أي : استقلال العقل بقبح الإقدام على محتمل المفسدة ، وأنه كالإقدام على معلوم المفسدة ممنوع. هذا جواب عن الإشكال المذكور.
وحاصل الجواب : أن ما ذكر من الحكم العقلي ممنوع لشهادة الوجدان ، وجريان عادة العقلاء على عدم التحرز عن محتمل المفسدة ، ولزوم التحرز عن معلومها ، فإنهم يركبون أمواج البحار ويقتحمون أهوال البراري والقفار للتجارة وغيرها ، مع احتمال الغرق وغيره من الأخطار ؛ لا مع العلم به.
هذا مضافا إلى إذن الشارع في الإقدام على المفسدة المحتملة في الشبهات الموضوعية ، بمثل قوله «عليهالسلام» : «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» ، فلو كان الإذن في الإقدام عليها قبيحا كقبح الإقدام على المفسدة المعلومة لم يأذن فيه ؛ لأن الإذن في الإقدام على القبيح قبيح ، ويمتنع صدور القبيح عن الحكيم تعالى.
فصدور الإذن فيه منه تعالى يشهد بعدم قبحه ، فلا أصل للقاعدة المذكورة.
(٣) أي : مع ما لا تؤمن مفسدته.
__________________
(*) عدة الأصول ٢ : ٧٥٠.