نعم (١) ؛ ربما تكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا وعقلا.
إن قلت (٢) : نعم ؛ ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته ،
______________________________________________________
يمكن دعوى أن احتمال الحرمة يجب دفعه ؛ لأنه يلازم الضرر ، ودفع الضرر المحتمل واجب.
(١) استدراك على قوله : «ليست براجعة على المنافع والمضار» ، يعني : أنه قد يتفق كون مناط حكم العقل أو الشرع هو النفع أو الضرر الموجود في الفعل ؛ لكن ذلك قاصر عن إثبات الملازمة ؛ لما عرفت من عدم كونهما غالبا مناطين للحكم حتى يكون احتمال الحرمة مساوقا لاحتمال المفسدة ، فالملاك في خيار الغبن ووجوب التيمم مع خوف الضرر باستعمال الماء هو الضرر لئلا يتضرر المغبون والمتطهر ، ولكن لا سبيل إلى إحراز الملاك في كثير من الأحكام حتى يلازم احتمال الحرمة احتمال الضرر الدنيوي كي يجب دفعه.
وقد تحصل من جميع ما ذكر حول قاعدة وجوب الدفع : أن المراد بالضرر إن كان هو العقاب : فلا موضوع للقاعدة في الشبهة الحكمية البدوية بعد الفحص ؛ لانتفاء العقاب قطعا بقاعدة القبح ، وإن كان غير العقوبة الأخروية : فلا يجب دفعه بعد ثبوت جوازه لبعض الأغراض العقلائية ، سواء أريد به الضرر الدنيوي أم المفسدة ؛ كما عرفت تفصيله.
وبالجملة : لا مجال للقاعدة في الشبهات الحكمية ؛ إما لانتفاء الصغرى أو الكبرى.
(٢) غرض المستشكل : هو تقديم قاعدة أخرى ـ غير وجوب دفع الضرر المحتمل ـ على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وهي حكم العقل بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته كقبحه على ما علم مفسدته.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن احتمال التكليف التحريمي وإن لم يستلزم احتمال العقاب الأخروي ولا الضرر الدنيوي ؛ إلا إنه بناء على مذهب العدلية من كون الأحكام تابعة للملاكات ، لا ينفك احتمال الحرمة عن احتمال المفسدة ـ ولو النوعية منها ـ وذلك لفرض التلازم بين المحتملين ـ وهما الحرمة والمفسدة ـ
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن احتمال الحرمة ملازم لاحتمال المفسدة ؛ فالإقدام على محتمل الحرمة إقدام على المفسدة المحتملة ، فيقال : قبح الإقدام على المفسدة المحتملة كقبح الإقدام على المفسدة المعلومة ، فيؤلف القياس ويقال : احتمال الحرمة ملازم لاحتمال المفسدة ، واحتمال المفسدة كالعلم بها يجب دفعه ، فاحتمال الحرمة يجب