والجواب : إن القول بالإباحة شرعا وبالأمن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم ؛ لما دل على الإباحة من النقل وعلى البراءة من حكم العقل ، ومعهما لا مهلكة في اقتحام الشبهة أصلا ، ولا فيه مخالفة التقوى ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
الترخيص في محتمل الحرمة حكم ظاهري ثابت بأدلة قطعية ، بل القول بغير علم صادق في الحكم بوجوب الاحتياط لعدم دليل عليه.
وأما تقريب الاستدلال بالطائفة الثانية على وجوب الاحتياط : فلأن ارتكاب الشبهة التحريمية يكون من الإلقاء في التهلكة ، فيكون محرما ، فلا بد من الاحتياط في المشتبه ، وهو المطلوب.
وأما الجواب عنها : فلأن المراد من التهلكة : إن كان هو العقاب الأخروي فهو منفي بدليل البراءة ، فدليل البراءة وارد على الآية كوروده على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.
وإن كان هو الضرر الدنيوي : فمضافا إلى كون الشبهة موضوعية لا يجب فيها الاحتياط ، فإنه ليس كل ضرر دنيوي يعدّ تهلكة ؛ بل التهلكة ما يؤدي إلى الموت ، ومن المعلوم : أن المحرمات المحتملة لا يحتمل فيها الضرر بهذا المعنى.
وأما تقريب الاستدلال بالطائفة الثالثة على وجوب الاحتياط : فلأن الاجتناب عن محتمل الحرمة من التقوى ، وكل ما كان كذلك واجب ينتج : «الاجتناب عن محتمل الحرمة واجب».
وأما الجواب عنها : فلأن ارتكاب محتمل الحرمة لا يكون منافيا للتقوى ؛ لأن التقوى عبارة عن ترك ما نهى الشارع عنه ، وفعل ما أمر به.
وأما محتمل الحرمة الذي لا يوجد دليل على حرمته ورخص الشارع على ارتكابه : فارتكابه لا ينافي التقوى. هذا مضافا إلى أن آيات التقوى تدل على استحباب الاتقاء ، فتكون خارجة عن المقام ؛ لأن النزاع إنما هو في وجوب الاحتياط. وأما استحبابه فهو مورد للاتفاق.
فالمتحصل : أنه بعد دلالة الدليل العقلي والنقلي على البراءة لا يكون فعل محتمل الحرمة مخالفا للتقوى ، ولا موجبا للتهلكة بمعنى العقوبة ، ولا الحكم بجواز ارتكابه قولا بغير علم.
ولهذا يقول المصنف «قدسسره» : «إن القول بالإباحة شرعا وبالأمن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم ...» الخ.