فإنه يقال : إن مجرد إيجابه (١) واقعا ما لم يعلم لا يصحح العقوبة ، ولا يخرجها
______________________________________________________
الرابع : أن المقصود من الهلكة ـ كما هو المتبادر منها إلى الذهن أو المنصرف إليه من إطلاقها ـ هو العقاب الأخروي ، ضرورة : أن همّ الشارع صرف العباد عن العقوبة الأخروية.
إذا عرفت هذه الأمور من باب المقدمة ، فنقول : حاصل الإشكال : أنه وإن لم يمكن أن يكون الأمر بالوقوف والاحتياط في الأخبار المثبتة للهلكة للطلب المولوي الإلزامي ؛ بل لا بد من حمله على الإرشاد كما تقدم ، لكن يمكن استفادة طلب ظاهري مولوي آخر من تلك الأخبار بالدلالة الالتزامية ، وذلك لأنه لما كانت العقوبة من آثار الطلب المولوي ـ كما هو المستفاد منها حيث رتبت الهلكة يعني : العقوبة على محتمل التكليف الإلزامي الذي منها الشبهة البدوية بعد الفحص ـ كان الدليل الدال على وجود العقوبة في الشبهة كاشفا عن وجود البيان على التكليف ، ودالا عليه بالدلالة الالتزامية ، وأن الشارع قد اكتفى بذكر اللازم ـ وهو الابتلاء بالعقوبة الأخروية ـ عن بيان ملزومه وهو الوجوب الشرعي.
وبالجملة : فالأخبار المثبتة لترتب الهلكة على ترك الاحتياط في الشبهة التي منها البدوية بعد الفحص كاشفة عن وجوب الاحتياط شرعا ، كشفا بالمعلول عن العلة ؛ وإلا كان المعلول بلا علة والعقاب بلا بيان.
قوله : «نعم» استدراك على قوله : «فكيف يعلل؟» ، وضمير «لكنه» للشأن ، يعني : أن مقتضى ما تقدم من انبعاث الأمر بالتوقف عن الهلكة المفروضة الوجود وإن كان هو وجودها في رتبة سابقة على الأمر ، فلا يمكن استكشاف الهلكة من الأمر ليحمل على كونه مولويا ؛ لكن يمكن استكشاف الأمر المولوي بالاحتياط من الهلكة المترتبة على الأمر به بالبرهان الإني كما عرفت.
وضمير «منه» راجع على التعليل الوارد في مقبولة عمر بن حنظلة : «فإن الوقوف».
قوله : «على نحو الإنّ» إشارة إلى البرهان الإني ، وهو العلم بالعلة من العلم بالمعلول ، واستكشافها منه.
(١) أي : إيجاب الاحتياط.
وتوضيح الجواب عن الإشكال : أن العقاب على مخالفة إيجاب الاحتياط في الشبهة البدوية ما لم يصل إلى المكلف عقاب بلا بيان ؛ إذ المصحح للمؤاخذة هو البيان الواصل ؛ لا التكليف بوجوده الواقعي ، سواء كان الحكم الواقعي نفسيا أم طريقيا