ولكن هذا الوجه مخدوش بوجهين :
أحدهما : أن هذا الوجه لا ينفع في دفع الإشكال عن جميع موارد الشبهة في العبادة ، وإنما يختص بما ورد فيه أمر ولو خبر ضعيف.
وثانيهما : أن موافقة هذا الأمر الاستحبابي يجعل المأتي به طاعته جزمية ، ويخرج عن محل النزاع الذي هو الاحتياط في محتمل الوجوب.
فالمتحصل : أن الاستحباب المستفاد من أخبار «من بلغ» يوجب استحباب العمل البالغ عليه الثواب بخبر ضعيف كسائر المستحبات ، وهو أجنبي عن الاحتياط الذي هو مورد البحث ؛ إذ لا يستفاد من تلك الأخبار الاحتياط في محتمل الوجوب.
٩ ـ لا يقال : إن الأمر المستفاد من أخبار «من بلغ» يكون مجديا في إمكان الاحتياط في العبادة ؛ إذ المستفاد منها هو : استحباب العمل بعنوانه الثانوي ـ وهو كون العمل محتمل الثواب ـ إذ على هذا التقدير يصير نفس المحتمل بما هو محتمل مستحبا نفسيا يصح نية التقرب بأمره ، فيصير الاحتياط مستحبا شرعيا ، فقد تعلق الأمر النفسي بالعمل برجاء محبوبيته ويتحقق الاحتياط في العبادة بقصد ذلك الأمر.
فإنه يقال في الجواب : أولا : أن أوامر الاحتياط على تقدير مولويتها توصلية ، فلا يتوقف سقوطها على قصد التقرب بها ، فلا يصحح بها الاحتياط في العبادة.
وثانيا : أنه لا يصح قصد التقرب بأوامر الاحتياط حتى مع تسليم كونها عبادية ؛ وذلك للزوم الدور ، وقد مر بيان لزوم الدور في أوائل هذا التنبيه. فراجع.
١٠ ـ مفاد أخبار من بلغ :
ويقع الكلام في محتملات هذه الأخبار وهي ثلاثة :
الأول : أن يكون مفادها حكما أصوليا وهو حجية الأخبار الضعيفة من باب التسامح في أدلة السنن ، فصح الحكم باستحباب عمل دل على استحبابه خبر ضعيف.
الثاني : أن يكون مفادها حكما فقهيا ، وهو استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب ، وهذا الاحتمال الثاني على قسمين :
أحدهما : أن يكون موضوع هذا الحكم الفقهي. أعني : الاستحباب هو العمل بعنوانه الأولي لا بعنوانه الثانوي ، فالمستحب هو نفس العمل.
ثانيهما : أن يكون موضوعه العمل بوصف كونه مما بلغ عليه الثواب ؛ بحيث يكون بلوغ الثواب عليه دخيلا في موضوع الحكم وجهة تقييدية.