فانقدح بذلك (١) : أن مجرد العلم بتحريم شيء لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة (٢) ، أو كان الشيء مسبوقا بالترك (٣) ؛ وإلا (٤) لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا (٥) ، فكما يجب فيما علم وجوب شيء إحراز إتيانه إطاعة لأمره ، فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه ، وعدم (٦) إتيانه امتثالا لنهيه ، غاية الأمر (٧) : كما يحرز
______________________________________________________
الشك في الفراغ والسقوط ؛ دون الشك في ثبوت التكليف ، فلذا لا تجري فيه البراءة.
(١) يعني : ظهر بما ذكرناه من أن تعلق النهي بالطبيعة يتصور على نحوين : أن مجرد العلم بحرمة شيء لا يوجب لزوم الاجتناب عما شك في فرديته له إلا في صورة واحدة ، وهي : ما إذا تعلق النهي بالطبيعة ، ولم تكن مسبوقة بالترك ، فيجب حينئذ ـ بقاعدة الاشتغال ـ الاجتناب عن الفرد المشتبه كوجوب الاجتناب عن الفرد المعلوم. وأما إذا تعلق النهي بالأفراد أو بالطبيعة مع سبق الترك فلا بأس بارتكاب المشتبه.
أما الأول : فلأصالة البراءة. وأما الثاني : فلإحراز ترك الطبيعة ، مع الإتيان بالمشتبه بالاستصحاب. ولا فرق في لزوم إحراز ترك الطبيعة بين إحرازه بالوجدان أو بالتعبد كما مرّ في أوائل التنبيه الثالث.
فقول المصنف : «فانقدح بذلك» إشارة إلى ضعف ما أفاده الشيخ من جريان البراءة في الشبهات الموضوعية التحريمية مطلقا ، بل لا بد من التفصيل الذي تقدم في كلام المصنف «قدسسره».
(٢) «نحو : لا تكرم الفساق».
(٣) فيما إذا كان النهي متعلقا بالطبيعة نحو : «لا تصد في الحرم» ، أو «لا تأكل يوم الصوم» فيما كان مسبوقا بعدم الأكل وعدم الصيد.
(٤) أي : وإن لم يكن المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة ، أو لم يكن مسبوقا بالترك لوجب الاجتناب عقلا عن الأفراد المشتبهة.
(٥) أي : لأن الاشتغال اليقيني يحتاج إلى الفراغ اليقيني ، وذلك لا يتحقق إلا بالاجتناب عن جميع الأفراد القطعية والمشكوكة.
(٦) بالجر عطف تفسير لقوله : «تركه».
(٧) غرضه : تعميم الترك لصورة إحرازه تعبدا ، يعني : أن الإحراز لا ينحصر في الإحراز الوجداني ؛ بل يعم التعبدي كإحراز الطهارة باستصحاب الوضوء ، وفي المقام كما يحرز وجود الواجب بالأصل ، كذلك يحرز ترك الحرام بالأصل.