لعدم (١) نهوض حجة على أحدهما تفضيلا ، بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه (٢) :
______________________________________________________
النزاع أولا ؛ لعدم جريان جميع الأقوال فيه ، وثانيا : لإمكان المخالفة القطعية ، ومحل النزاع ما إذا كان كل من المخالفة القطعية والموافقة القطعية متعذرة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل النزاع ما إذا كان كلا الحكمين توصليا ، أو أحدهما غير المعين تعبديا. هذا بخلاف ما يظهر من كلام الشيخ «قدسسره» ، حيث اعتبر التوصيلة في كلا الحكمين.
(١) تعليل لقوله : «دار» ، وضمير «عليه» راجع على أحدهما ، وقوله : «ففيه» جواب «إذا».
(٢) يعني ففي دوران الأمر بين الوجوب والحرمة وجوه ؛ بل أقوال في وجوه المسألة وبيان المختار منها.
الأول : الحكم بالبراءة شرعا وعقلا ، نظير الشبهات البدوية عينا ؛ وذلك لعموم أدلة الإباحة الشرعية ، وحكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك جميعا. وقد أشار إليه المصنف «قدسسره» بقوله : «الحكم بالبراءة عقلا ونقلا ...» الخ.
والعلم بأصل الإلزام ليس باعثا ولا زاجرا كما هو واضح ، فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلا مانع. وأما البراءة النقلية : فلأن مثل حديثي الرفع والحجب لا يختص بما إذا كان أحد طرفي الشك في حرمة شيء هو الإباحة كشرب التتن ، حتى يختص بالشبهة البدوية ؛ بل يعم ما إذا علم جنس الإلزام ولم يعلم النوع الخاص منه ، فالوجوب المشكوك فيه مرفوع كحرمة الحرمة المحتملة.
الثاني : وجوب الأخذ بجانب الحرمة تعيينا لوجوه :
أولها : لقاعدة الاحتياط ، حيث يدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير ، فإن مقتضاها : تقديم احتمال التحريم والبناء عليه في مرحلة الظاهر ، والمقام من موارد الدوران المذكور ، فيقدم احتمال التحريم.
ثانيها : الأخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة ، بناء على كون المراد منه عدم الدخول في الشبهة والسكون عندها ، فتدل على وجوب ترك الحركة نحو الشبهة ، وهو معنى تقديم احتمال الحرمة.
ثالثها : حكم العقل والعقلاء بتقديم دفع المفسدة على جلب المنفعة عند دوران الأمر بينهما ، فاللازم رعاية جانب المفسدة الملزمة وترك الفعل المشكوك حكمه ؛ وإن استلزم فوت المصلحة الملزمة الواقعية.