فيقع الكلام في مقامين :
المقام الأول : في دوران الأمر بين المتباينين (١). لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما
______________________________________________________
قضيتين شرطيتين يكون مقدم كل واحدة منها إحدى طرفي العلم الإجمالي ، وتاليها نقيض الطرف الآخر ، فيقال حينئذ : «إن كان الصوم واجبا فليست الصدقة واجبة» وبالعكس. وهذا بخلاف الأقل والأكثر ، فإنه لا يصح ذلك فيهما ، فلا يقال : «إن كانت العشرة واجبة فليست التسعة واجبة» بداهة : أن التسعة بعض العشرة ، فوجوب العشرة وجوب التسعة وزيادة ، فوجوب التسعة قطعي سواء كان الأكثر واجبا أم لا.
وقد قيد المصنف الأقل والأكثر بالارتباطيين ؛ لأن المردد بين الأقل والأكثر الاستقلاليين خارج موضوعا عن الشك في المكلف به ؛ إذ لا إجمال في المكلف به حقيقة ، ضرورة : أنه يعلم من أول الأمر بتعلق التكليف بالأقل ، ويشك بتعلقه بالزائد عليه.
(١) المراد بهما : أن لا يكون بينهما قدر متيقن ، سواء كان تباينهما ذاتيا أم عرضيا كما مر آنفا ، بخلاف الأقل والأكثر ، فإن بينهما قدرا متيقنا ، والمراد بهما فعلا هو الارتباطيان اللذان تكون أوامر أجزائهما متلازمة الثبوت والسقوط ؛ دون الأقل والأكثر الاستقلاليين اللذين لا تكون أوامر أجزائهما كذلك كالدين المردد بين الأقل والأكثر ؛ لأن امتثال الأمر بالأقل ليس منوطا بامتثال الأمر بالأكثر على تقدير ثبوته واقعا.
وقبل الخوض في البحث في المقام الأول نذكر ما هو الفرق بين طريقة الشيخ وطريقة المصنف في بيان مسألة أصالة البراءة وأصالة التخيير وأصالة الاشتغال ، فقد عقد الشيخ «قدسسره» ، لكل من أصالة البراءة وأصالة التخيير وأصالة الاشتغال ثماني مسائل ، أربع للشبهة التحريمية ، وأربع للشبهة الوجوبية ، وذلك لأن منشأ الاشتباه في كل واحدة منها هي أربعة :
١ ـ فقدان النص.
٢ ـ إجمال النص.
٣ ـ تعارض النصين.
٤ ـ الأمور الخارجية.
والشبهة في الأخير تسمى بالموضوعية ، وفي الثلاثة الأولى تسمى بالحكمية.
ثم ما كان منشأ الاشتباه تعارض النصين خارج عن محل الكلام ؛ إذ حكمه هو التخيير أو الترجيح على الخلاف الآتي في باب التعادل والتراجيح لا الاحتياط والاشتغال كما هو محل الكلام في المقام.