النفر ، إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب ؛ لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته ، كما لا يخفى.
وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه ؛ لا بصدد بيان ما يجب العلم به (١).
______________________________________________________
توضيح الجواب : أن الأدلة المتقدمة لا تنهض لإثبات وجوب تحصيل المعرفة مطلقا ؛ حتى يندرج المقام فيه ، فلا دلالة لشيء مما ذكر من الآيات والروايات بالعموم على وجوب المعرفة في جميع المسائل الاعتقادية تفصيلا. وأما الآية الشريفة ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) ـ فلأن المستفاد منها هو خصوص معرفة الله ، فالمعرفة فيها تختص به سبحانه ولا تعم غيره ؛ لأن النون في (لِيَعْبُدُونِ) للوقاية ، وقد حذف ياء المتكلم وكان في الأصل «ليعبدوني» ، ومعه فلا إطلاق فيه حتى يستدل به على وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور الاعتقادية.
وأما النبوي : فلأنه ليس بصدد بيان حكم المعرفة حتى يكون له إطلاق يؤخذ به في مورد الشك في وجوب المعرفة ؛ بل إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات الخمس وأهميتها وأنها أفضل من سائر الواجبات بعد المعرفة ، فلا يستفاد منه إطلاق ولا عموم لوجوب المعرفة.
وأما آية النفر : فهي في مقام كيفية النفر للتفقه ؛ لا في مقام ما يجب فقهه ومعرفته. وبعبارة أخرى : إنها ليست بصدد بيان موضوع التعلم حتى يكون إطلاقها قاضيا بعدم الاختصاص ببعض الموارد ؛ بل إنما هي بصدد بيان ما يجعل وسيلة إلى التفقه الواجب ، وطريق يسهل معه التعلم الواجب ، وأنه يحصل بأن ينفر من كل فرقة طائفة للتفقه ، ولا يجب نفر الجميع ، وعليه : فلا إطلاق فيها من حيث المورد.
وأما الروايات الدالة على طلب العلم : فلأنها في مقام وجوب طلب العلم ، من دون نظر إلى ما يجب العلم به ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يجب علمه. حتى يتمسك به في موارد الشك في وجوب المعرفة.
وبالجملة : فلا دليل على وجوب المعرفة مطلقا حتى يصح التمسك به في موارد الشك في وجوبها.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».
(١) أي : والإطلاق فرع كونها في مقام بيان ما يجب العلم به.