قول المحقّق في الحقيقة إلى القول الثالث في المسألة ، وهو سقوط كلا الأصلين عن الاعتبار ، هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ الآية المباركة وأمثالها خارجة عن محلّ النزاع كما أفاد في تعليقات الأجود (١) لأنّ ما هو المعلوم من الخارج إنّما هو اختصاص الحكم المذكور في الآية المباركة بقسم خاصّ من المطلّقات ، وأمّا استعمال الضمير الراجع إلى العام في خصوص ذلك القسم فهو غير معلوم ، فلا موجب لرفع اليد عن أصالة العموم أو عن أصالة عدم الاستخدام أصلاً.
ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمهالله ذهب أيضاً كالمحقّق الخراساني رحمهالله إلى تقديم أصالة العموم ، واستدلّ له بثلاثة وجوه :
الوجه الأوّل : أنّ لزوم الاستخدام في ناحية الضمير إنّما يبتني على أن يكون العام المخصّص مجازاً ، لأنّه على ذلك يكون للعام معنيان : أحدهما معنى حقيقي ، وهو جميع ما يصلح أن ينطبق عليه مدخول أداة العموم ، وثانيهما معنى مجازي وهو الباقي من أفراده بعد تخصيصه ، فإذا اريد بالعام معناه الحقيقي وبالضمير الراجع إليه معناه المجازي لزم الاستخدام ، وأمّا إذا قلنا بأنّ تخصيص العام لا يستلزم كونه مجازاً كما هو الصحيح فلا يكون للعام إلاّمعنى واحد حقيقي ، وليس له معنى آخر حقيقي أو مجازي ليراد بالضمير الراجع إليه معنى مغاير لما اريد من نفسه ليلزم الاستخدام في الكلام.
الوجه الثاني : أنّ الاصول العقلائيّة إنّما تجري عند الشكّ في المراد ، وفي المقام لا شكّ في المراد من الضمير وأنّ المراد منه المطلّقات الرجعيّات ، وبعد العلم بما اريد من الضمير لا تجري أصالة عدم الإستخدام حتّى يلزم التخصيص في ناحية العام.
إن قلت : أنّ أصالة عدم الإستخدام وإن لم تجر بالإضافة إلى نفي الإستخدام في نفسه لعدم ترتّب الأثر عليها بعد معلوميّة المراد كما ذكر إلاّ أنّها تجري بالإضافة إلى إثبات لازم عدم الاستخدام ، أعني به إرادة الخاصّ من العموم ، ونظير المقام ما إذا لاقى البدن ثوباً مثلاً مع الرطوبة ثمّ خرج الثوب عن محلّ الابتلاء وعلم بنجاسة ذلك الثوب قبل تحقّق الملاقاة مع الشكّ في عروض المطهّر له إلى حال الملاقاة فإنّه لا ريب في أنّه يحكم بالفعل بنجاسة البدن
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٩٥.