أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) ، وهو يشبه النسخ بناءً على مذهب المشهور من أنّ حقيقته هو الدفع لا الرفع ، أي أنّ النسخ بمعنى انتهاء أمد الحكم وأنّ الله يظهر فيه ما كان مجهولاً للناس وهو يتصوّر بعد حضور وقت العمل بالحكم المنسوخ إلاّفي الأوامر الإمتحانيّة فيتصوّر فيها قبل حضور وقت العمل أيضاً كما مرّ.
فالبداء أيضاً كذلك ، فيتصوّر في الأوامر الإمتحانية قبل العمل كما إذا فرضنا مثلاً أنّ أمر إبراهيم بذبح إبنه صدر على نهج القضيّة الخيريّة ، فكأنّه حينئذٍ صدر بعنوان الإخبار عن أمر تكويني سوف يتحقّق في المستقبل ثمّ بدا له بقوله تعالى : ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) ، وفي غير الإمتحان مثل ما وقع في قضية يونس عليهالسلام من وعده تعالى بالعذاب على قومه ثمّ كشفه عنهم بعد أن آمنوا ، فهو في كلا القسمين ليس بمعنى ظهور ما خفى عليه بل بمعنى إبداء شرط أو مانع أخفاه في بدو الأمر ، فهو تعالى يخبر عن وقوع أمر معلّق على شرط أو عدم مانع من دون التصريح بالمعلّق عليه حين الإخبار ، فلا يحصل المعلّق لعدم حصول المعلّق عليه وذلك لحكمة تقتضي ذلك ، ثمّ يبدي ما لم يذكره أوّلاً ، فالبداء بتعبير عقلي يرجع إلى العلل المركّبة التي تتصوّر فيها علّة تامّة وعلّة ناقصة ، فيرجع إمّا إلى عدم حصول المقتضي أو وجود المانع ، وفي لسان الشرع يرجع إلى مسألة المحو أو الإثبات ، فقد ثبت أنّ لله تعالى كتابين : أحدهما : امّ الكتاب الذي ثبت فيه جميع الامور من دون محو وإثبات ، والآخر : كتاب المحو والإثبات.
وبالجملة ، البداء ليس بمعنى ظهور ما خفى عليه تعالى كما يدلّ عليه قوله : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (٢) حيث جاء في التفسير أنّ اليهود قالوا قد فزع الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدّره في التقدير الأوّل ( وأنّه قد جفّ القلم بما هو كائن ) فردّ الله عليهم بقوله : بل يداه مبسوطتان ، ومن الآيات الدالّة على أصل وجود البداء وصحّته قوله تعالى : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) (٣).
وهذا المعنى تدلّ عليه أيضاً روايات الأئمّة المعصومين عليهمالسلام وهي كما قلنا كثيرة كما مرّت
__________________
(١) سورة الرعد : الآية ٣٨ و ٣٩.
(٢) سورة المائدة : الآية ٦٤.
(٣) سورة فاطر : الآية ١١.