فعلياً مع أنّ المفروض كونه إنشائيّاً.
وأمّا المحذور الخامس ( أي تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ) فلأنّ مصلحة السلوك أهمّ فتجبر بها ما فاتت من المصلحة الواقعيّة.
إن قلت : « إنّ ما هو المجعول واقعاً طبقاً للمصالح والمفاسد ويكون مشتركاً بين العالم والجاهل وتدلّ الأدلّة على اشتراكه بينهما وإنحفاظه في مرتبة الجهل به ـ هو الحكم الفعلي الذي لو وصل إلى المكلّف كان داعياً له نحو الفعل أو الترك ، وإنكار مثل هذا الحكم في ظرف الجهل بالحكم الواقعي والقول بأنّ الموجود في هذا الظرف مجرّد الإنشاء فقط تصويب لا تقول به الإماميّة » (١).
قلت : الباطل من التصويب على قسمين : أحدهما : محال عقلي ، والآخر : محال شرعي ، أمّا المحال العقلي فهو أن يقال : إنّ الله تعالى يجعل الحكم بعد اجتهاد المجتهد مع خلوّ الواقع عن الحكم قبله فإنّ هذا محال عقلاً لأنّ معناه أنّ المجتهد يجتهد ويتفحّص عن شيء لا وجود له في الواقع والخارج ، ولا إشكال في أنّ لازمه الدور المحال ، وأمّا المحال الشرعي فهو أن يقال : إنّ الله يجعل بعدد آراء المجتهدين أحكاماً شرعيّة ، وهذا باطل إجماعاً عند أصحابنا رضوان الله عليهم ، وأمّا لو قلنا بوجود حكم إنشائي مشترك بين جميع المكلّفين ولكنّه بالنسبة إلى بعضهم بلغ حدّ الفعلية وبالنسبة إلى الباقين بقى على حاله فلا دليل على كونه من التصويب المحال بل الدليل على خلافه.
إن قلت : ما الفائدة في جعل حكم وإنشائه من دون أن يكون فعليّاً على المكلّفين؟
قلنا : فائدة هذا الحكم هي فائدة المقتضي في جميع المقامات ، فإذا اجتمعت فيه شرائط الفعلية وانتفت الموانع صار فعليّاً ، ولذلك لا يكون الجاهل المقصّر في الفحص اجتهاداً أو تقليداً معذوراً ، ومن هنا أيضاً يجب على المكلّف الإعادة بعد كشف الخلاف ( بناءً على القول بعدم الإجزاء ).
ثمّ إنّه في تهذيب الاصول أورد على المصلحة السلوكيّة إشكالات أربع :
أحدها : « أنّ حجّية أمارة في الشرع ليس إلاّ إمضاء ما كان في يد العقلاء في معاشهم
__________________
(١) راجع منتهى الاصول للمحقّق البجنوردي رحمهالله : ج ٢ ، ص ٧١ ـ ٧٢.