الليل وحين خلوة الشارع فإنّ فيها مصلحة حفظ هذه المقرّرات في غير ذلك الزمان.
رابعها : « الأخبار الدالّة على عدم تعلّق بعض التكاليف بهذه الامّة دفعاً للكلفة والمشقّة عنهم كقوله صلىاللهعليهوآله « لولا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك » فإنّ وجود المشقّة في الفعل قد يقدح في حسن الإلزام به وإن لم يقدح في حسن الفعل ، إلاّ أن يكون في الفعل مزيد حسن بحيث يرجّح الإلزام به مع المشقّة كما في الجهاد ، فإنّ الفعل الشاقّ قد يكون حسناً بل واجباً عقليّاً لكن لا يحسن الإلزام به لما فيه من التضييق على المكلّف مع قضاء الحكمة بعدمه ».
ويرد عليه : أنّ الإنصاف في مثال السواك أنّ المشقّة موجودة في الفعل بوصف الدوام وهو لا يناسب الشريعة السمحة السهلة فلا توجد فيه مصلحة حينئذٍ ، أي عمل السواك الدائمي ليس ذا مصلحة بل المصلحة موجودة فيه في الجملة ، وبعبارة اخرى : أنّ الرّواية وإن دلّت بظاهرها على وجود المشقّة في الوجوب والإلزام لكن بعد التأمّل يظهر لنا أنّ مشقّة الإلزام تنشأ من مشقّة دوام الفعل لأنّه لو كان الواجب السواك في بعض الأحيان مثلاً لم يكن في الفعل مشقّة ، فالمشقّة ناشئة من الفعل بوصف الدوام ، فلا ينشأ عدم الإلزام من عدم حسن التكليف بل ينشأ في الواقع من عدم حسن الفعل المكلّف به.
خامسها : « أنّ الصبي المراهق إذا كان كامل العقل لطيف القريحة تثبت الأحكام العقليّة في حقّه كغيره من الكاملين ومع ذلك لم يكلّفه الشارع بوجوب ولا تحريم لمصالح داعية إلى ترك تكليفه بهما من التوسعة عليه وحفظ القوانين الشرعيّة عن التشويش وعدم الانضباط ».
والجواب عنه قد مرّ سابقاً من منع عدم العقاب الاخروي في المستقلاّت العقليّة في مثل هذا الصبي ، وأمّا حديث رفع القلم فالظاهر أنّه ناظر إلى غالب الأحكام الشرعيّة.
سادسها : « أنّ جملة من الأوامر الشرعيّة المتعلّقة بجملة من الأفعال مشروطة بقصد القربه والامتثال حتّى أنّها لو تجرّدت عنه لتجرّدت عن وصف الوجوب كالصوم والصّلاة والحجّ والزّكاة ، فإنّ وقوعها موصوف بالوجوب الشرعي أو رجحانه مشروط بنيّة القربة حتّى أنّها لو وقعت بدونها لم تتّصف به ، مع أنّ تلك الأفعال بحسب الواقع لا تخلو إمّا أن تكون واجبات عقليّة مطلقاً ، أو بشرط الأمر بها ووقوعها بقصد الامتثال ، وعلى التقديرين يثبت المقصود ، أمّا على الحكم الأوّل فلحكم العقل بوجوبها عند عدم قصد الامتثال وحكم الشارع بعدم وجوبه ، وأمّا على الثاني فلانتفاء الحسن قبل التكليف وحصوله بعده فلم يتفرّع حسن التكليف على حسن الفعل ».