ويرد عليه :
أوّلاً : ما مرّ في مبحث الأوامر من عدم اعتبار قصد الأمر في تحقّق قصد القربة بل يكفي قصد كونه لله تعالى وقصد حسنه الذاتي.
وثانياً : أنّ المدّعى في المقام هو حسن الفعل في ظرف الامتثال لا حسنه في ظرف التكليف ، وأمر الشارع وإلزامه متوقّف على الأوّل لا الثاني ، ولا إشكال في أنّ حسن الفعل حاصل في ظرف الامتثال ، هذا ـ مضافاً إلى أنّه بالتأمّل يظهر أنّ أكثر هذه الإشكالات مربوطة بعكس القضيه ، وهي « كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل » ، وقد مرّ أنّ المدّعى والمختار هو الأصل والعكس معاً.
هذا كلّه في القول الثالث.
وأمّا القول الرابع : وهو ما ذهب إليه بعض فضلاء العصر من التفصيل بين ما إذا تطابقت آراء العقلاء على مصلحة أو مفسدة وبين ما إذا لم تتطابق آرائهم على ذلك ، فقال في مقام توجيهه والاستدلال عليه بما نصّه : « الحقّ أنّ الملازمة ثابتة عقلاً فإنّ العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه ( أي إنّه إذا تطابقت آراء العقلاء جميعاً بما هم عقلاء على حسن شيء لما فيه من حفظ النظام وبقاء النوع أو على قبحه لما فيه من الاخلال بذلك ) فإنّ الحكم هذا يكون بادىء رأي الجميع فلا بدّ أن يحكم الشارع بحكمهم لأنّه منهم بل رئيسهم فهو بما هو عاقل ( بل خالق العقل ) كسائر العقلاء لابدّ أن يحكم بما يحكمون ولو فرضنا أنّه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادىء رأي الجميع ( حاصل رأي الجميع ) وهذا خلاف الفرض » (١) بل في مثل هذه الحالة صرّح في موضع آخر من كلامه بأنّ « حكم العقل حينئذٍ عين حكم الشارع لا أنّه كاشف عنه » وقال في محلّ آخر ما نصّه : « وعلى هذا فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعيّة فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر ولم يكن إدراكه مستنداً إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العامتين اللتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء فإنّه ( أعني العقل ) لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل ، إذ يحتمل أنّ هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل ، أو أنّ
__________________
(١) اصول الفقه : المجلّد الأوّل ( ص ٢٣٧ ، طبع دار النعمان بالنجف ، الطبعة الثانية ) للعلاّمة المحقّق الشيخ محمّد رضا المظفّر رحمهالله.