هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل وإن كان ما أدركه مقتضياً لحكم الشارع » (١).
فملخّص كلامه هذا ثبوت الملازمة في صورة التطابق وعدم ثبوتها في صورة عدم التطابق وأنّ الوجه في الأوّل كون الشارع من العقلاء ، فلو لم يكن له حكم يستلزم الخلف ، وفي الثاني احتمال كون المناط في نظر الشارع غير ما هو المناط في نظر العقل ، أو وجود المانع في فرض اتّحاد المناط ، وقال أيضاً في موضع آخر : « والقضايا المشهورة ليس لها واقع وراء تطابق الآراء ، أي أنّ واقعها ذلك فمعنى حسن العدل أو العلم عندهم أنّ فاعله ممدوح لدى العقلاء ، ومعنى قبح الظلم والجهل أنّ فاعله مذموم لديهم » (٢).
ثمّ إنّه قال في محلّ آخر من كلامه ( بعد تقسيمه الأمر إلى المولوي والإرشادي وتفسيره الأمر المولوي بالتأسيسي والإرشادي بالتأكيدي ) ما نصّه : « والحقّ أنّه للإرشاد حيث يفرض أنّ حكم العقل هذا كافٍ لدعوة المكلّف إلى الفعل الحسن وإندفاع إرادته للقيام به فلا حاجة إلى جعل الداعي من قبل المولى ثانياً بل يكون عبثاً ولغواً بل هو مستحيل لأنّه يكون من باب تحصيل الحاصل » (٣).
ونتيجة هذا الكلام أنّ حكم الشارع في مثل قوله تعالى : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) وقوله : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) بالقسط والعدل والاحسان إرشادي لأنّ العقل أيضاً يحكم بكلّ واحد منها.
أقول : كلّ هذا من عجائب الكلام لأنّه أوّلاً : أنّه لا دخل لتطابق آراء العقلاء في المباحث العقليّة ، بل الميزان فيها هو القطع الحاصل ببداهة العقل أو النظر والاستدلال وكلّ إنسان من هذه الناحية تابع لعقله ويقينه ، فلو قطع أحد بوجوب المقدّمة في مبحث وجود الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذي المقدّمة يكون قطعه هذا حجّة عليه ولو خالفه غيره.
وبعبارة اخرى : القطع في المقام نظير القطع في الامور الحسّية فكما أنّه حجّة للقاطع في الامور الحسّية ولا يضرّ بها مخالفة السائرين ، فكذلك في الامور العقليّة البرهانية ، وقد مرّ فيما
__________________
(١) اصول الفقه : ص ٢٣٩ ـ ٢٤٠.
(٢) المصدر السابق : ص ٢٢٥.
(٣) المصدر السابق : ص ٢٣٧.