وفي الواقع أنّ الحسن والقبح من المعقولات الثانويّة التي يكون محلّ عروضها هو الذهن ومنشأها في الخارج ، لا من المعقولات الأوّليّة أو الامور المجعولة المحضة.
إلى هنا تمّ البحث عن المرحلة الاولى من المراحل الثلاثة المبحوث عنها في الأدلّة العقليّة ، وهو أن يكشف العقل عن حكم الشرع ويحصل القطع به من ناحية علل الأحكام التامّة ، أي المصالح والمفاسد المقتضية لحكم الشرع مع العلم بفقدان موانعها واجتماع شرائطها.
ومن هنا يظهر الكلام في المرحلة الثانية ، وهي كشف العقل حكم الشرع من ناحية معلولات الأحكام ، أي من ناحية ثبوت العقاب وعدمه ، نظير حكم العقل في الاصول العمليّة العقليّة ، وهي ثلاثة : البراءة العقليّة ، الاحتياط العقلي والتخيير العقلي.
أمّا البراءة العقليّة : فهي مبنية على كون قاعدة قبح العقاب بلا بيان قاعدة عقليّة لا عقلائيّة ، فيستكشف من حكم العقل بقبح العقاب حكم الشارع بعدم فعلية الوجوب والحرمة الواقعيين لو كانا في البين.
وأمّا الاحتياط العقلي : فهو حكم العقل بصحّة العقاب في صورة وجود العلم الإجمالي في الشبهات المحصورة ، وكذلك في الشبهات البدويّة قبل الفحص ، فيحكم العقل بفعلية الحكم الواقعي في أطراف الشبهة في الشبهات المحصورة ، ويحكم في الشبهات قبل الفحص بأنّه لو كان هناك حكم واقعي كان فعليّاً يؤخذ العبد به.
وكذلك التخيير العقلي : فإذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة يحكم العقل بقبح العقاب لمن إرتكب الفعل أو تركه ، ويكشف من هذا الطريق عدم فعلية الحكم الواقعي الشرعي ، ففي تمام موارد جريان الاصول العقليّة يكشف العقل عن حكم الشرع من طريق نتيجة الحكم ، وهي ثبوت العقاب وعدمه ، والموضع الأصلي للبحث التفصيلي عن هذه الاصول هذا المقام ، ولكن حيث إن عادة المتأخّرين من الاصوليين جرت على أن يبحثوا عنها تفصيلاً في مبحث مستقلّ تحت عنوان الاصول العمليّة فينبغي أن نتركه هنا ونحذو حذوهم.
أمّا المرحلة الثالثة : أو القسم الثالث من الأحكام العقليّة ( وهي العلاقات والملازمات العقليّة بأن يحكم العقل بالتلازم ويحصل القطع به ) فالمبحوث عنها في الاصول هي سبعة أبواب :
١ ـ باب وجوب مقدّمة الواجب ، فيدرك العقل في هذا الباب التلازم بين وجوب المقدّمة وذي المقدّمة.