بغضّ النظر عن موقعها في المنظومة التشريعية؛ لأنّه سيكون خاضعاً تعبّداً لسائر الأحكام.
إنّ بناءنا على أنّ انسجام الأحكام وتناسقها دليل غير مباشر على صحّتها ، يجعل فقه النظرية ضرورياً أيضاً حتّى لأصحاب الاختصاص؛ فإنّهم مع اتّباعهم للدليل الخاص ، تبقى هنالك حاجة لعرض ما توصّلوا إليه لاحقاً على ما وصلوا إليه سابقاً للقطع بصحّته وانسجامه ، أو لنقل على النظرية الشاملة إذا كانت موجودة ، كما لو كان بعض الأطراف من أهل التشكيك أو من أتباع دين آخر أو ثقافة أخرى أو لم يكن التسليم بالشريعة موجوداً عنده بالقدر المطلوب.
فإنّ الحوار لن يقتصر عندئذٍ على المتبنّيات والأدلّة الخاصّة؛ بل لابدّ من الإفادة من البناء المعرفي الإنساني ومنطلقاته المتسالم عليها في عملية الاستدلال ، حتّى نصل إلى القناعة التّامة بموضوع أو إلى المقبولية العامة في أضعف الأحوال.
ولاشكّ ولا ريب في أنّ هذا الاتجاه يمكّننا من مخاطبة جميع الناس وإن كانوا مخالفين لنا في الرأي وفي العقيدة ، لأنّه سيدور في إطار المعرفيات الإنسانية العامة ، عندها قد تشكّل النظرية في حال قبولها أرضية مشتركة للخطاب ، ولهذا فائدتان : أولهما الخروج بالأمر الخاص إلى الساحة الإنسانية ليكون في متناولها جمعاء ، وثانيهما يتعلّق بطبيعة الاستدلال ، لأنّ النظرية تحاول أن ترسم صورة كاملة لما تتحدّث عنه ، فإذا ظهرت فيها بعض الفجوات أمكن سدّها بالبحث والاستكمال بالاستعانة بالأجزاء الأخرى للصورة ، لأنّ تناسقها سيكون عنوان الصحّة المائز لها عن الفساد.
وخير مثالٍ على ذلك ما حصل مع ـ مندلييف ـ عندما وضع جدوله للعناصر الأولية المكتشفة في هذا الكون ، فوجد فيه فراغاً فافترض بسببه وجود عنصر جديد ، ثمّ ثبّت بعد ذلك وجوده ، ولولا وضعه لذلك الجدول الذي يمثّل نظرة شمولية إلى العناصر الطبيعية وعثوره على ذلك الفراغ لربّما بقي الأمر مجهولاً حتّى هذه الأيام ....
وكذلك لو نظرنا إلى هذا العالم من حولنا بدقّة صنعه وإحكام نظامه ، وإلى أنّ الإنسان هو القادر من بين الخليقة على إعماره والإفادة من خيراته ـ مع ما يتطلّبه هذا من حياة جماعية ـ فإنّنا ندرك ضرورة وجود قانون ينظّم العلاقات القائمة بين الله الخالق المبدع وبين الإنسان والكون والحياة ، كما ندرك أنّه حتّى يصل إلينا ذلك القانون لابدّ له من كتابٍ