إنّ خلق الإنسان عاقلاً من جهة ، وناطقاً من جهة أخرى ، بحيث يكون قادراً على التفكير وعلى نقل الأفكار والحوار ، يجعله يتآلف ويتخالف مع الآخرين ، وتتراكم المصالح وتتبلور الانتماءات ، فتتشكّل المجتمعات وتدور الصراعات حول تلك الأسس في داخلها وفيما بينها ، حيث يأمل المظلومون أن يأتي يوم يكون لهم فيه الخلاص.
إنّ كلّ صاحب نظر يرى أنّ نظريته هي التي ستسود كلّ العالم في نهاية المطاف ، وأنّ الصراع سيحسم لصالحه ، وستكون هناك نهاية للتاريخ من جهة كونه سجلاً للأحداث وحركة للصراع ، لا باعتبار كونه توالي للأيام والزمان ، ونحن كمسلمين لا نختلف مع هذا المسار بنحو الإجمال ، لأنّنا نعتقد بحسب ديننا أن ديناً واحداً سيسود كلّ العالم ، وهو الإسلام ، فإنّه تعالى قد ذكر في كتابه العزيز : ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [ المجادلة ] ، وأيضاً : ( ... لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُون ) [ التوبة ] ، كما ذكر جلّ وعلا : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء ].
إنّ غلبة حضارة وانتشارها في كلّ العالم يعني أنّ هناك صراع حضارات بالمعنى الأعمّ للفظ الصراع ، الذي يشمل حتّى الجدل والمحاورة كسبيل إلى غلبة فكر على آخر أحياناً ، ولكن منطق الإسلام يختلف عن غيره في أنّه يفرض على المسلمين الإفادة من كلّ إيجابيات الحضارات والأمم الأخرى ، فقد قال سيدنا محمّد صلىاللهعليهوآله : ـ لا يهمنّك من الحكمة من أي وعاء نزلت ـ ، و ـ أطلب العلم ولو في الصين ـ ، وقال تعالى في كتابه الكريم : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [ آل عمران ].
فليس في ديننا رفض كلّ الآخر؛ بل نقبله بقدر ما يكون سوياً سالماً صحيحاً ، وهو بهذا الاعتبار يدعو إلى حوار الحضارات واختيار ما يكون صواباً على طريقة قوله تعالى : ( ... وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [ سبأ ] ، وإن كان يرى ضمناً أنّ ما عليه هو الصواب لا ريب ، ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) [ البقرة ].
كما أنّ هذا الدين يقدّم الإنسان في نموذجه الكامل على أنّه خليفة الله في أرضه ، وأنّه