بإمكانه بلوغ هذه المرحلة باعتبار أنّ الله تعالى قد قدّمه كذلك لملائكته ، وإن كان يشير أيضاً إلى لزوم قطعه لمسيرة تكاملية طويلة يكون له فيها صراع طويل ومرير مع الشرّ والشيطان تبرز في حوادثه كمالات إنسانية فائقة ونماذج رائعة تكون أسوة وقدوة على هذا الطريق ، والذي لابدّ وأن يبلغ الإنسان نهايته في آخر المطاف ، وبالتالي كلّ المجتمع الإنساني عندها يصبح محكوماً بشريعة الله شريعة الإسلام ، وهذا ما يجعل للتاريخ مسيرة نحو غاية محدّدة وهدف منشود ، وبالتالي تفسير كلّ حلقاته وأحداثه على أنّها مراحل لهذا الطريق ، ونحن في ديننا الإسلامي أمام تصوّر يقوم على أمرين : الإنسان الخليفة ، والدين الخاتم الذي سيظهره الله على الدين كلّه ، والاستخلاف بلا ريب بحاجة إلى نظام ، أي إلى كتب وأنبياء معصومين ، وكون هذا الدين هو الخاتَم يعني لزوم حفظه حفظاً معصوماً بالنص وبالمضمون في أصوله وفروعه ، ليبقى كما شرّعه الله ، ولابدّ لذلك من إمامة معصومة تبيّن الأصول وتحفظ الفروع ، حتّى إذا ما وصلنا إلى زمان ظهور هذا الدين على الدين كله وقيام العدل البشري بشكل تام ، عندما يحثو الحاكم في ذلك الزمان المال والطعام للناس حثواً ولا يعدّه عدّاً ، لا يبقى عندها مبرر للصراع البشري ، وإذا انتهى الصراع انتهت حركة التاريخ ، وكان ذلك آخر أزمنة الحياة ، فإن السير في الأنفس والآفاق يرينا أن الحركة هي خاصة الحياة أو لازمها ، وأن السكون أي نهاية الصراع إنما يعني الموت والفناء.
وإنه وفق هذه التصورات يمكننا أن نقدّم عقيدتنا في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه لكلّ العالم على اختلاف دينه وفكره ، فإن مسيرة العالم على ضوء فلسفة التاريخ وعلى ضوء جميع المقولات الأخرى ـ نهاية التاريخ ، صراع الحضارات ، المقولات الدينية السماوية والأرضية على السواء ـ كلّها تنصّ على أنها تتجه نحو : إمّا الإنسان المخلّص وإن اختلفت صوره فيما بينهم واختلفوا في تحديد شخصيته ومكانته ، وإمّا إلى المذهب السياسي المخلّص الذي سيكون في النهاية مذهب كلّ البشرية ، كالذي يطرح الليبرالية الغربية على أنها هي النظام الأكمل الذي ينبغي أن تبلغه كلّ البشرية على حد مقالة ـ فوكوياما ـ ، حيث يمكننا على ضوء ما تقدّم أن نطرح على مقولته السؤال التالي : وهو إذا كانت هذه الليبرالية لا تستطيع إلغاء الصراع في يومٍ من الأيام ، فكيف ستكون عند انتشارها في كلّ العالم نهاية التاريخ!؟.